بأقلامهم >بأقلامهم
قرار منصف وردود الفعل استنسابية
قرار منصف وردود الفعل استنسابية ‎الاثنين 13 12 2021 12:00 وفاء ناصر
قرار منصف وردود الفعل استنسابية

جنوبيات

في بلد العجائب لا حدود للاستنسابية، نرمي السهام على قرار ما ونتجاهل آخر مصيري. وكم من قرار أصابنا في الصميم وآذان المعنيين و"المتفزلكين" في صم عميق؟

منذ أيام قليلة أصدر وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم قراراً ينصف العامل اللبناني، ويحدد بوضوح الأعمال الممكن للعامل الأجنبي مزاولتها عند الضرورة ونسبتها مع مراعاة أخلاقية لوضع اللاجئ الفلسطيني.

هذا الاستثناء الإنساني كان موضع انقسام حاد بين من وجد فيه نصرة للاجئ الفلسطيني ومن خلفه القضية الفلسطينية الجوهرية، وبين من قارب الأمور من ناحية عملية واقعية، ما اضطر الوزير بيرم إلى عقد مؤتمر صحفي لتفسير ما لا يحتاج تفسيراً.

من جهتهم، يبرر رافضو القرار هجومهم واستنكارهم انطلاقاً من ميادين عدة:

إذ على الصعيد الاقتصادي، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة ساهمت في زيادة نسبة العاطلين من العمل وارتفاع معدل البطالة وإقفال مؤسسات عدة لم تستطع الصمود في وجه الأزمة، أو قررت الاستثمار والانطلاق في بلد أكثر استقراراً.

بينما من الناحية الديمغرافية، يتولد لديهم الخوف من فكرة التوطين، وبالتالي يصبح التغيير الديمغرافي أمراً واقعاً لا بد أن ينعكس اجتماعياً وسياسياً.

في حين أنه أمنياً، هناك من يُبدي خشية من وجود السلاح في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ووضعها القائم.

بيد أن بعض هذه المخاوف، وإن كانت واقعية، إلا أن جزءاً منها يُذلل تلقائياً.

على المستوى الإقتصادي، تعوض اليد العاملة الفلسطينية النقص في بعض القطاعات، كما أنها تعمل وتنفق ما تحصّله في البلد الذي احتضنها، فضلاً عن أن حوالات المغتربين ورواتب موظفي "الأونروا" وعوائل الشهداء والجرحى تأتي بالدولار ما يزيد من نسبة هذه العملة الصعبة.

أما ديمغرافياً، وعلى الرغم من عدد اللاجئين الفلسطينيين واندماجهم في لبنان، إلا أنهم متمسكون بأرضهم فلسطين وبحق العودة.

إذاً، منطقياً، لا مبرر للخوف من لاجئ لا يزال يحتفظ بمفتاح العودة ويتحيّن الوقت المناسب ليقبّل تراب بلده ويحتضن أقرباءه.

غير أن السلاح الفلسطيني في المخيمات وتهديده لسلامة اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، على الرغم من التطمينات الصادرة من الجهات الأمنية المعنية لا يلغ الخطر الأمني الذي قد يسببه لا سيما أن البعض قد يستثمر سياسياً فيها، وتتحول القنبلة إلى انفجار لا تحمد عقباه.

بديهياً، هناك من يسأل، إذا كان السلاح لمحاربة العدو الإسرائيلي واللاجئون يعيشون في بلد يملك جيشاً ومقاومة فما نفع السلاح في أيديهم؟

فيُجيب اللاجئون الفلسطينيون أن هذا السلاح الفردي مرتبط بالتمسك بحق العودة.

كلهم من منظارهم محقون. لكن في مقاربة بسيطة لعمل الفلسطيني وإيجابياته على الدورة الإقتصادية مقابل العمالة الأخرى التي تدخر ما تحصل عليه وتخبئه أو تصدره إلى الخارج، لا ضير من تصويب "التخوف من التوطين".

ذلك التوطين الذي يُعمل عليه منذ الحرب الكونية على سوريا حين هجّروا شعبها وأرادوها معقلاً للجماعات الارهابية، والذي تحوّل إلى ورقة ضغط ترتفع أسهمها عند كل استحقاق وطني، وإلى قنبلة يستخدمها المسؤول الأكبر عن فكرة تركيع سوريا لكبح السيادة اللبنانية.

توطين مقنع برعاية أممية للضغط على لبنان وتأليب شعبه على المقاومة وسلاحها لِلَوْي ذراعها.

وما الامتيازات التي يحصل عليها اللاجىء السوري بدءاً بتصنيفه نازحاً، إلى التقديمات الشهرية المالية والمادية والتكفل بطبابتهم وتأمين أسرّة لهم في المستشفيات في الوقت الذي يموت فيه اللبنانيون على أبوابها، إلى تأمين الملبس والمأكل والتعليم مرورا بعدم حصر المسكن بمخيم.. كلها إشارات واضحة تدل على توطين مقنع. فزخم التقديمات والحياة الكريمة التي يعيشها قسم كبير منهم تدفعهم الى البقاء في لبنان وتنسيهم بلدهم الام.

 والبركة الأممية لا تقتصر عند هذا الحد، بل تسدل ثوبها الإنساني على البلديات التي تستضيفهم وتقيم المشاريع فيها...

إذًا، مع تغير الظروف طرأ تعديل على الفكرة النمطية القديمة التي كانت تحصر عمل اللاجئ السوري بمزاولة أعمال محددة، فأصبح يمارس أعمالاً شتى ،وتحول في أحيان اخرى إلى صاحب مهنة بشريك لبناني يحصل على نسبة من الأموال لقاء الغطاء القانوني الذي يقدمه، لأن إمكانيات اللبناني المتواضعة تقف عائقاً أمام استمرارية عمله.

 وهكذا ضارب اللاجئ السوري على اللبناني ونافست اليد العاملة السورية اليد العاملة اللبنانية في عقر دارها كما الفلسطينية، والسبب حتما ليس أجرها الزهيد كما قد يُخيل لنا.

وقرار وزير العمل جاء في وقته لقوننة كل العمالة الاجنبية المتفلتة من جهة، وإنصاف المواطن اللبناني الذي ضاقت به سبل العيش.
أما فيما يخص الاستثناءات التي منحها للفلسطيني فهي مرهونة بنسبة معينة وبوضع محدد.

المصدر : جنوبيات