بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - خلل بنيوي
بالنظام - خلل بنيوي ‎السبت 8 01 2022 10:32 زياد شبيب
بالنظام - خلل بنيوي

جنوبيات

تتوالى الخلافات حول الدستور وتتناسل وتتفاقم في غالب الأحيان لتصبح أزمات تتوقف معها أعمال #المؤسسات الدستورية الواحدة تلو الأخرى. والسبب أن النظام السياسي القائم تحولت معه المواقع الدستورية إلى متاريس طائفية كرس كل من هو على رأسها نفسه بأنه الحامي للجماعة الطائفية التي ينتمي إليها. وحين نتحدث عن نظام جديد أصبح واجب الوجود إنما نقصد الجزء السياسي من آلة الحكم أي القوى السياسية/ الطائفية التي تدير الدولة وتسيطر على الحياة السياسية، وليس الدستور بما يتضمنه من نصوص ومبادئ عامة وقواعد عمل السلطات الدستورية أو صلاحياتها.

الدستور هو أحد عناصر تحديد أو تعريف النظام السياسي. والانحراف المزمن الحاصل في الحياة الوطنية لم يعد مرده إلى الشكوى من نصوص الدستور كما كانت الحال قبل اتفاق الطائف. الخلل الحالي ليس نابعاً من الدستور. وموضوع المشاركة في السلطة، الذي كان عنوان مطالب المعترضين على النظام قبل الحرب، لم يعد مطروحاً بعد تعديل الدستور.
الخلل الحالي نابع من عدم تطبيق الدستور حيناً ومن الانحرافات المتتالية والمستمرة في تطبيق أحكامه أحياناً أخرى. الدليل الأكثر سطوعاً هو الفراغ القاتل والشلل الطويل الأمد الذي يسود المؤسسات على مدى السنوات الماضية والذي أصبح أداة للعمل السياسي تستخدمه القوى المعنية لتحقيق الأغراض السياسية.

الانحراف يتوقف عندما تتغيّر القوى التي تهيمن على الحياة العامة، بأن يتغير سلوكها أو عندما تأتي قوى جديدة تجمع بين مواطنين متساوين، مع الإقرار بصعوبة تحقق الاحتمال الأول لأن التجربة أثبتت ما يشبه استحالة تغيير نهج القوى المعنية، ومن المستحيل على المرجعيات السياسية/ الطائفية، أن تعطي أداءاً يختلف عن تكوينها وتاريخها وأهدافها وخطابها وأدبياتها.

الدستور ليس سيئاً كما يتصوّر البعض، ولكن نراه يُخرق من دون تردد، وأحياناً تستعمل الذرائع المبررة للخرق من داخل الدستور نفسه. فصل السلطات واستقلال السلطة القضائية نراهما مستباحَيْن من خلال الضغط الممارس في كل اتجاه للتأثير بمسار التحقيق بتفجير المرفأ. السلطة التنفيذية التي نراها تتوقف عن العمل لأسباب لا علاقة لها بدورها الإجرائي أصلاً، وما تزال.

السلطة التشريعية وبعد تجاذب حول حصول الدعوة إلى دورة استثنائية من عدمها، دعيت للانعقاد ولكن الخلاف انتقل إلى برنامج الدورة.

هل يحق للرئيس أن يحدد مواضيع الدورة الاستثنائية، وإذا حدد مرسوم الدعوة للدورة الاستثنائية برنامجها هل يحق للمجلس النيابي أن يتجاوز المواضيع المحددة فيها؟
المادة 33 من الدستور تنص على أنه "لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها."

في ضوء النص الواضح تختلف الدورة الاستثنائية عن الدورات العادية ولا يمكن للمجلس النيابي بحث مواضيع أخرى غير تلك المدرجة في مرسوم الدعوة وإذا صوّت المجلس رغم ذلك على نصوص من خارج "برنامج" الدورة الاستثنائية تكون تلك النصوص عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري، وإذا جرى الطعن بها قد نرى مشهداً مماثلاً لما حصل في الطعن بتعديلات قانون الانتخاب الأخير وقد نصل إلى نتيجة اللاقرار في المجلس الدستوري إذا كانت المنطلقات هي نفسها والمواقف القانونية عبارة عن انعكاس للمواقف السياسية بالنظر إلى الاستقطاب السياسي/ الطائفي الحاصل، وهكذا تنتقل الأزمة من مؤسسة دستورية إلى أخرى.

النظام السياسي يعاني من خلل بنيوي عميق ويستحيل الخروج منه على يد القوى نفسها التي لا تنتج سوى التسويات الظرفية أو الصفقات التي تأتي على حساب المؤسسات والمبادئ.

المصدر : النهار