بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - أن تكون دائماً على حق (2)
بالنظام - أن تكون دائماً على حق (2) ‎الجمعة 14 10 2022 09:45 زياد شبيب
بالنظام - أن تكون دائماً على حق (2)

جنوبيات

لم يحصل انقسام سياسي عامودي بين القوى السياسية على موضوع #ترسيم الحدود البحرية. والاعتراض عليه وعلى ما آل إليه من تنازلات لم يكن إلا من قبل ناشطين واختصاصيين، ولم يبرز أي اعتراض جدّي من الأحزاب الممثلة في #مجلس النواب. أما القوى السياسية المناهضة للمحور الحاكم فبعضها هنّأ الشعب ال#لبناني على الإنجاز وبعضها الآخر اكتفى بطلب عرض الاتفاق على مجلس النواب دون رفض مضمونه، والآخرون صمتوا.

هذا يعني أن الانقسام السياسي اللبناني المعتاد والذي يشغل الرأي العام الداخلي ومساحات الهواء الإعلامي والافتراضي، ما هو في حقيقته إلا انقسام في التبعية والولاء لمحاور خارجية، وأن الخلاف السياسي الداخلي على كل شيء تقريباً بما في ذلك الانقسام الحاد على تكوين السلطات الدستورية ومن بينها انتخاب الرئيس ما هو إلا انعكاس لعدم التوافق الخارجي، وأنه بالتالي عندما تتقاطع مصالح الخارج أو يحصل اتفاق ضمني مرحلي ما بين محاوره، ينصاع فرقاء الداخل.

مواقف القوى السياسية من الاتفاق البحري آلت إلى تمرير الاتفاق وإن من خارج المؤسسات الدستورية كما توجبه المادة 52 من الدستور، وهذا شكل من أشكال "تأمين النصاب" من فريق لكي يتمكن الفريق الآخر الذي يتولى الملف من تمريره بأمان. وهذا هو السيناريو المنتظر في ما يتعلق بتأمين نصاب انتخاب الرئيس حيث سينعكس التقاطع الخارجي أو الالتقاء المرحلي على الاستحقاق ويتم تمريره كما حصل في الترسيم.

لم يفرح بالاتفاق على الحدود البحرية سوى الذين يعتبرون أنهم دائماً على حق بغض النظر عن التحولات التي يرتكبوها أو الانحرافات التي ينحرفون فيها عن مبادئهم وعن الخطوط الحُمر التي سبق أن رسموها لأنفسهم والآخرين. فخلال المراحل الأخيرة للمفاوضات، وبعد انتهائها، وقبل أوان الاستثمار الفعلي للثروات المفترضة، كانت عمليات الاستثمار السياسي الداخلي قد بدأت واستطاع المتكلمون عن انتصار لبناني في هذا الملف أن ينفذوا عملية إقناع ذاتي سريعة بأن ما كان بالأمس مطلباً من نوع الخط الأحمر، أو الخط 29 الشهير، لم يكن سوى ورقة تفاوضية، وبأن المفاوضات بطبيعتها تفترض احتمال التنازل عن بعض المطالب، وبأن القوة الصاروخية أخضعت العدوّ وأتت به صاغراً إلى خانة القبول بمطالب لبنان كاملة.

التسليم جدلاً بأن "مطالب" لبنان تحصّلت كاملة، يحتاج إلى تناسي حصول إسرائيل على حصّة مالية من عائدات حقل قانا وبأن هذه بذاتها شراكة مقنّعة مهما كانت التسميات المعتمدة في النص، إلا أن تلك المطالب وكما سبقت الإشارة، تبقى بعيدة عن الحقوق الثابتة. فالمطالب اللبنانية جرى خفض سقفها مسبقاً بإقرار المعنيين بالملف بأن الوسيط ما كان ليقبل باستمرار وساطته لو أن مرسوم تعديل الحدود البحرية صدر كما كان متوجباً. علماً أن مرسوم التحديد له مفعول إعلاني وليس إنشائي، أي أنه يعبّر عن الواقع الثابت على الأرض وفي المياه ولا يُنشئه. وعدم صدور المرسوم لا يعني أن حدود لبنان ليست عند الخط 29.

الحاجة لأن تكون على حق في مواجهة الآخر وأمام الرأي العام هي من صفات البشر ولا سيما من يتعاطون شؤون العامة. لهذا يكثر التشبّث بالخطأ لأن الإقرار به يؤدي إلى فقدان المصداقية والإقرار بالضعف. ويدافع المدافعون عن آرائهم ليس لأنها صحيحة بل لأنها تعبّر عن ذواتهم وعن هويّتهم. الدفاع عن القناعات بأهمية الدفاع عن النفس أو عن الحياة. هكذا يُسجَّل الاتفاق الأخير انتصاراً إضافياً في سجلّ انتصارات العرب السابقة الكثيرة.

المصدر : النهار