عام >عام
رحيل "أبو محمد" الملاح.. "الفهد الصبور"
رحيل "أبو محمد" الملاح.. "الفهد الصبور" ‎الاثنين 19 12 2016 09:22
رحيل "أبو محمد" الملاح.. "الفهد الصبور"
الراحل أحمد الملاح "أبو محمد"

هيثم زعيتر

رحل الحاج أحمد نديم محمد الملاح "أبو محمد" من رحمة العباد إلى رب رحيم بالعباد.
أغمض عينيه بنفس مطمئنة ومطمئنة، بعد سنوات حافلة بأفضل الخصال من الوفاء والجود والكرم، والاستقامة الطيبة، والمروءة والشهامة في عمل الخير، وإصلاح ذات البين، ونكران الذات لقضاء حاجات الناس، وإغاثة الملهوفين، ونصرة المظلومين، ومساعدة المحتاجين، والعمل على بناء المساجد والحسينيات والكنائس، وإنشاء الجمعيات الثقافية والرياضية والكشفية والطبية والإغاثية، والعمل البلدي الاجتماعي، منطلقاً من النضال الذي بدأه في "حركة القوميين العرب".
ودّعت مدينة صور ركناً من أركانها المناضلين البارزين، وأحد أعمدتها التاريخيين، وعلماً بارزاً من أعلامها، له دور هام في مسيرتها بكل تفاصيلها، وفي أحلك الظروف وأصعبها.
هو إبن الحاج "أبو أحمد" الملاح، أحد فاعليات صور والجنوب، الذي كان نصيراً لطالبي الحماية من جور الانتداب الفرنسي، وملاذاً لأبناء القرى في محط رحالهم في مدينة صور، وسنداً للمرجع العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين في نضاله ضد المستعمرين، وفاتحاً ذراعيه يستقبل الإمام السيد موسى الصدر عندما حط الرحال في صور.
هكذا تربّى الحاج "أبو محمد"، وربّى عائلته، فكان المناضل الذي له مكانته، ورأيه السديد، مستنداً إلى تقوى الله وإيمانه بالحق، يُحسب له حساب، ويعلن كلمته على الملأ ولا يخشى لومة لائم.
ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية كان "أبو محمد" الملاح في طليعة الفدائيين، والعاملين على تنظيم المناضلين في صفوف الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وفي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كان محرّكاً للمناضلين، وحاضناً للمجاهدين، وملاذاً للمقاومين.
لم يترك صور، التي أحب في أشد اللحظات وأصعبها، ويوم ضربت الفتنة المذهبية والطائفية وبدأ الفرز المناطقي، كان "أبو محمد" طليعياً في تعزيز العيش الوطني الطبيعي، بتفويت الفرصة على مشعّلي الفتنة، فكان بوصلة أساسية في مدينة العيش المشترك، محافظاً على وحدة أبناء مذهبه، ومتصدياً لمحاولات السيطرة على قرارها أو تذويبها، ومؤكداً التصاقها بطائفيتها وانصهارها بالوحدة الوطنية، وحامياً الفلسطينيين الذين ناضل لأجلهم في شتى المجالات وعلى صعد عدّة.
الناشط في المجال البلدي، وعضو مجلس بلدية صور على مدى 18 عاماً، قرّر في الانتخابات الأخيرة (أيار 2016) العزوف عن الترشّح، إيماناً منه بتداول السلطة، وإفساحاً بالمجال أمام جيل الشباب.
يستقبلك بوجهه البشوش، وابتسامته التي لا تفارق ثغره، رغم الألم الذي يعاني منه، لا يُشعِرك به، ولا يترك مناسبة أو نشاطاً أو تعزية إلا ويكون في طليعة المعزّين على رأس وفد كبير، فاستحق احترام الصغار، وإجلال الكبار.
استحق تكريم وتقدير وتنويه قادة كبار على مسيرته النضالية الطويلة، وتقديراً لدوره الوطني، وهو الذي أُطلِقَ عليه إسم "الفهد الصبور" الذي كان يقابل الصعاب بالجهد، والرخاء بالشكر، والمصاب بالصبر، فكان رمزاً للرجولة والشهامة والشجاعة، وطيبة القلب كما شعره الأبيض، متحلياً بمكارم الأخلاق، وهو ما عبّر عنه الحشد الغفير الذي آلمه الرحيل المؤلم، وشارك الآلاف في موكب تشييعه بعد عصر السبت الماضي، ولم يحل الطقس الماطر دون مشاركة مَنْ عرفوه أخاً وصديقاً وأباً، والدموع تنهمر من المقل، في وداع عزيز رحل بنفس مرضية مطمئنة، بعدما أدّى الصلاة التي يواظب عليها منذ نعومة أظفاره.. سلم، وأسلم الروح.
في مسجد صور القديم، الذي يشهد للحاج "أبو محمد" الملاح أداءه الصلوات فيه منذ نعومة أظافره، صُلّي على جثمانه الطاهر، الذي أمّه مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار الحبال.
رحل الحاج "أبو محمد"، ويؤلمه ما يجري في المنطقة من فتنة وتمزيق، لكن كله أمل بمَنْ يحمل مشعل المسيرة، وفي مقدّمهم أولاده: محمد وحسين وبلال، والحفيد نديم والأشقاء والأصدقاء.
عمّي "أبو محمد" لن ننساك، وستبقى مبادئك نبراساً نستلهم منها العبر، وبوصلتك ترشدنا إلى الطريق الصحيح، نحو فلسطين، التي عشقت وكنت تمنّي النفس بأن تكون شاهداً على تحريرها، وهو الوعد الرباني الذي سيتحقّق بإذن الله سبحانه وتعالى، ولو بعد حين.