بأقلامهم >بأقلامهم
"المسامير.. وحكمة الكبير"!
"المسامير.. وحكمة الكبير"! ‎الاثنين 15 05 2023 10:29 القاضي م جمال الحلو
"المسامير.. وحكمة الكبير"!

جنوبيات

يُحكى في خفايا التّقادير وزوايا الصّفافير أنّ أبًا أعطى لابنهِ يومًا كيسًا مليئًا بالمسامير وقال له:

يا بنيَّ كلّما أهنتَ شخصًا أو ضربتَ شخصًا أو جرحتَ شخصًا فاذهب إلى سورِ الحديقةِ واطرق فيهِ مسمارًا!
لم يفهمِ الولدُ لماذا طلبَ والدهُ منهُ ذلكَ! لكنّهُ امتثلَ لأمرهِ وأصبحَ كلّما كان يَظلمُ أحدًا، أو يصرخُ بوجهِ أحدٍ، أو يجرحُ أحدًا، يطرقُ مسمارًا في ذلكَ السّور! 
ومع مرور الأيّامِ أصبحَ الولدُ أكثرَ تحكُّمًا في نفسهِ، وانخفضَ عددُ المساميرِ التي يطرقُها وفقًا لتصرّفاته العشوائيّة، إلى أن وصلَ ليومٍ لم يطرق فيه أيَّ مسمارٍ في السُّور!
ومن شدّة فرحهِ ذهبَ إلى والده وأخبره بذلك، فقال له الأب الكبير بفهمه وحكمته:
أحسنتَ يا بنيَّ! أنت الآن شخصٌ يتحكّم بنفسهِ وأعصابه! لكنَّ مهمَّتكَ لم تنتهِ بعدُ!
هنا استغرب الولدُ وقال: وماذا أفعلُ بعد ذلك يا أبي؟ 
قال الأب: مع كلِّ يومٍ يمضي ولا تزعجُ أو تجرحُ أو تظلمُ فيه أحدًا انزع مسمارًا من ذلك السُّور! 
وبالفعل فقد مضتِ الأيّامُ واستمرّ الولدُ في نزع المسامير عن كلِّ يومٍ لا يؤذي فيه أحدًا، إلى أن وصلَ لليومِ الذي نزعَ فيه آخرَ مسمارٍ في ذلك السور!
فسُرّ كثيرًا وكاد يطير مِن الفرح، وذهب إلى والده يخبرهُ بذلكَ!
هنا أخذَ الأبُ ابنهُ إلى السّور وقال له (بابتسامة تخبّئ حزنًا دفينًا): أحسنتَ يا بنيّ! فأنتَ لم تصبح شخصًا متحكّمًا في أعصابك فقط، بل أصبحتَ شخصًا طيّبًا لا يؤذي أحدًا! ولكن، انظر إلى الثُّقوبِ التي خلّفتها تلكَ المسامير في السُّور؛ لقد استطعتَ يا بنيَّ أن تنزعَ المساميرَ التي طرقتها، ولكنّكَ لا ولن تستطيعَ محوَ تلكَ الثقوبِ التي تركتها المسامير!
وكذلك هم البشرُ يا بنيَّ، حينَ تجرحُ أحدهم فأنتَ تطرقُ مسمارًا في قلبه ونفسه! وحتّى إن اعتذرتَ وأزلتَ ذلكَ المسمارَ لكنّكَ لن تنزعَ أثره! إذ سيبقى "كذكرى مؤلمةٍ" في حياةِ ذلكَ الشّخص ما دام على قيد الحياة.
وصدق من قال: "لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن خنته خانك".

المصدر : جنوبيات