مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
الشيخ "أبو طارق" السعدي صمّام أمان مُخيّم عين الحلوة
الشيخ "أبو طارق" السعدي صمّام أمان مُخيّم عين الحلوة ‎الاثنين 5 06 2023 07:47 هيثم زعيتر
الشيخ "أبو طارق" السعدي صمّام أمان مُخيّم عين الحلوة

جنوبيات

غيّب الموت القيادي في "عصبة الأنصار الإسلامية" الشيخ هيثم عبد الكريم السعدي "أبو طارق" (عن 58 عاماً)، إثر ذبحة قلبية مُفاجئة، صدمت الأهل وجميع المُحبّين.
رحيله ليس خسارة فقط لـ"عصبة الأنصار الإسلامية"، بل للقوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية بشكل خاص، والأحزاب والفاعليات والقيادات والأطراف اللبنانية بشكل عام.
الراحل هو قيادي في "عصبة الأنصار الإسلامية"، وشقيق أميرها الشيخ أحمد عبد الكريم السعدي "أبو محجن"، المُتواري عن الأنظار مُنذ آب/أغسطس 1995، حيث زادت أعباء المسؤوليات على "أبو طارق" وإخوانه في قيادة العصبة.
استطاع تحمّل الكثير، ونجح بالسير وفق الخط الذي قرّرت العصبة اعتماده، وكلّفها الكثير، لا سيما إقصاء عدد من العناصر بطردهم من صفوفها، لأنّها لم تعد تُلبّي رغباتهم التوتيرية!
في مسيرة الراحل العديد من المحطات التي يشهد له الجميع بأنّها كانت من أجل مصلحة مُخيّم عين الحلوة وأبناء الشعب الفلسطيني، ونسج جسور أفضل العلاقات مع المُحيط في صيدا والجوار، بالعمق الإسلامي والمسيحي، ما جنّب المُخيّم والمنطقة العديد من الفتن.
وهنا لا بُدَّ من التطرّق إلى بعض المحطات المفصلية، التي واكبتُها، وكان فيها دور حاسم للشيخ "أبو طارق" السعدي وإخوانه، وفي طليعة ذلك:
- بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، و"فبركة" قضية "أبو عدس"، ومُحاولات زج الفلسطيني في ذلك، بهدف تسعير قتال مذهبي فئوي بغيض، فأُحبط ذلك بالاجتماعات المُكثّفة مع النائب بهية الحريري.
- بعد أنْ تسلّم العقيد عباس إبراهيم مسؤولية رئاسة فرع مُخابرات الجيش اللبناني في الجنوب في 27 أيار/مايو 2005، وما يعني ذلك في هذه المنطقة الحسّاسة، بدأت بوادر العلاقة الإيجابية مع الفصائل والقوى الفلسطينية، وكان دخول العقيد إبراهيم إلى مُخيّم عين الحلوة، بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2006، وما يعني ذلك لأوّل مسؤول أمني لبناني يدخل المُخيّم، ويفتح "كوة في جدار" العلاقات اللبنانية - الفلسطينية.
ومن ثم عقد اجتماع في مكتب العقيد إبراهيم، في ثكنة الشهيد محمد زغيب في صيدا، شارك فيه: الشيخ "أبو طارق" السعدي، رئيس "الحركة الإسلامية المُجاهدة" الشيخ جمال خطاب والناطق باسم "عصبة الأنصار الإسلامية" الشيخ أبو شريف عقل، وأسّس لمرحلة جديدة من نسج العلاقات التي كان لها ثمار مُتعدّدة على الصعيدين الفلسطيني واللبناني.
ولدى انتشار الجيش اللبناني في منطقة تعمير عين الحلوة، بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2007، وما رافق ذلك من مُحاولات توتير وإطلاق نار من قِبل أحد عناصر "جند الشام" يحيى أبو السعيد، باتجاه قوّة الجيش، التي كانت تنتشر بإشراف العقيد إبراهيم، أجرينا اتصالات مع الجانب الفلسطيني، حيث كان للراحل "أبو طارق" دور هام بالضغط من أجل سحب المُسلّحين واتمام خطة الانتشار.
- كان للراحل دور هام في منع امتداد تداعيات اعتداء "فتح الإسلام" على الجيش اللبناني في مُخيّم نهر البارد في 18 أيار/مايو 2008، وصولاً إلى المُوافقة على تشكيل "قوّة أمنية" للتوجّه إلى هناك، من أجل إنهاء ظاهرة شاكر العبسي، لكن مُورست ضغوطات من سفراء أجانب على مسؤولين رسميين لبنانيين، تحت ذريعة أنّ ذلك يُشكّل خرقاً للقرار 1701، بنقل مُسلّحين فلسطينيين من الجنوب إلى هناك، فأُجهِضَتْ المُحاولة، ودفع الجيش شهداء وجرحى، ووقع ضحايا في المُخيّم، وهُجِّرَ أبناؤه بعد دمار رهيب.
- الهواجس التي نُقِلَتْ إلى العقيد إبراهيم عن مُخطّط لاستهداف قوّات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان، كان الجواب اليقين حولها من "أبو طارق"، بأمان مُرور قوّات "اليونيفل" من الجهة الغربية لمُخيّم عين الحلوة.
- كان له دور في تسليم بديع حمادة، بعد قتله 3 عسكريين من الجيش اللبناني، ولجوئه إلى مُخيّم عين الحلوة، قبل أنْ يتسلّمه الشيخ ماهر حمود، بتاريخ 16 تموز/يوليو 2002 وتسليمه إلى الجيش اللبناني.
- بعد تمكُّن المطلوب شادي المولوي من الوصول إلى مُخيّم عين الحلوة، بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وتحميل المُخيّم مسؤولية المطالبة بتسليمه، من دون النظر إلى كيفية تجاوزه الطريق من طرابلس وصولاً إلى المُخيّم، استطاع الشيخ "أبو طارق" وإخوانه الضغط على المولوي، حيث غادر المُخيّم بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
- في قضية خالد محمد مسعد "السيد"، الذي طلب تسليمه مُدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إثر اكتشاف مُخطّط "شبكة الربيع" بتفجيرات "شهر رمضان" الإرهابية، كان "أبو طارق" السعدي يستدعي "السيد" وأفراد من عائلته، قبل قرار تسليمه إلى الأمن العام بإجماع فلسطيني، فجر 1 تموز/يوليو 2017، وكان أوّل حزام ناسف يخرج من المُخيّم دون انفجاره، ما جنّب تنفيذ المُخطّط.
- يُسجّل للراحل دوره برفض كل الإغراءات، والمبالغ المالية الكبيرة التي عُرِضَتْ عليه، مُقابل المُشاركة باقتتال مذهبي، وخَاطَبَ مَنْ نقل العرض والأموال إليه "بنوكل خبيزة ولا بندمّر المُخيّم".
- محطات مُتعدّدة كانت بنسج العلاقة بين "عصبة الأنصار الإسلامية" وحركة "فتح"، مُنذ تسلّم عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزّام الأحمد مهامه كمُشرف للحركة على الساحة اللبنانية في نيسان/إبريل 2010، والعشاء الذي أقمتُهُ في دارتي في جادة الرئيس نبيه بري - حارة صيدا، بتاريخ 23 حزيران/يونيو 2010، وفتحَ الباب لعلاقاتٍ وطيدة بين حركة "فتح" و"عصبة الأنصار الإسلامية".
- والاجتماعات المُتعدّدة للشيخ "أبو طارق" وإخوانه في "القوى الإسلامية" مع سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، ما ساهم في تفعيل دور "هيئة العمل الفلسطيني المُشترك".
- كانت المُشاركة العلنية الأولى لقيادات "القوى الإسلامية" في مُخيّم عين الحلوة، بلقاءٍ علني، وليس اجتماعاً ضيّقاً، أقمتُهُ أيضاً في دارتي بحارة صيدا، بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2013، رغم مُحاولات البعض تعطيله، لكن شاركَتْ فيه الأطياف الفلسطينية كافة، وكان لذلك ثمارٌ مُتعدّدة.
تعدّدتْ اللقاءات الدورية التي كنّا نعقدها في منزله داخل مُخيّم عين الحلوة أو خارجه بحضور الشيخين جمال خطاب وأبو شريف عقل.
- عمل على المُعالجة السريعة لأي حادث أمني بتواصل وتنسيق مع رئيس فرع مُخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العقيد سهيل حرب.
كان "أبو طارق" السعدي واضحاً، مِقداماً، وجريئاً يتنقّل تحت زخّات الرصاص والقذائف لوقف إطلاق النار.
إذا قال صَدَقْ، وإذا وَعَدَ وفَى، وعندما يضرب على صدره، يلتزم بتنفيذ ما وَعَدَ به.
مع كل تباين واختلاف، أو مُحاولات البعض التحريضية، واستشفافه لحركة مُريبة، يُسارع إلى الاتصال من أجل الاستيضاح، قبل التوضيح وإزالة أي غموضٍ، مُقرناً ذلك بالأدلة ومُستنداً إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية، مع بعض الحكم والأبيات الشعرية.
مَنْ يقصدُه لا يعود خائباً، يُقابل المصاعب والأهوال بابتسامته الدائمة، رغم المرارة والألم.
صاحبُ واجب في الأفراح والأتراح، لا يترك مُناسبة وإلا يكون سبّاقاً بالمُبادرة إلى المُشاركة فيها، بكل تواضع ومحبّة.
برحيل الشيخ "أبو طارق" السعدي، تخسر "عصبة الأنصار الإسلامية" والقوى الفلسطينية واللبنانية مُناضلاً أمضى حياته في سبيل القضية التي آمن بها، فلسطين، وقدّم كُلَّ ما يستطيع لأجلها.
حمى برحابة صدره الأمن والاستقرار في مُخيم عين الحلوة والجوار، فكان صمَّام أمان، سيفتقده جميع مَن عرفه.
كما كان في حياته قاسماً مُشتركاً، كرس ذلك في رحيله وتشييعه.
الرحمة للراحل الشيخ "أبو طارق" السعدي، والعزاء لعائلته وأهله ومُحبيه، ألهمهم الله سبحانه وتعالى الصبر والسلوان.

المصدر : اللواء