لبنانيات >أخبار لبنانية
العلامة الخطيب: إذا ماتت أُمة فكرياً مات فيها الفكر ومات فيها الحق
العلامة الخطيب: إذا ماتت أُمة فكرياً مات فيها الفكر ومات فيها الحق ‎الجمعة 25 08 2023 17:05
العلامة الخطيب: إذا ماتت أُمة فكرياً مات فيها الفكر ومات فيها الحق

جنوبيات

 

ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الواقع أن كلمتي اليوم حول ما يفرضه الواقع المُعاش من هجمةٍ ثقافية تتناول مجتمعنا وما لها من تأثير في البنية الاجتماعية والثقافية في موضوع الأسرة وفي موضوع الاجتماع، لذلك سأتناول هذا الموضوع من ناحية المرحلة الماضية التي كان يعيشها عالمنا، الذي كان يتسم بصراع فكري وثقافي وسياسي وعسكري وطبعاً موضوع الثقافي والفكري لم يكن أقل خطورة من الواقع الحالي الذي نعيشه، وإنما الذي نعيشه بإستمرار ومرحلة أخرى من مراحل هذا الصراع لكن كان هناك في الواقع صراع فكري، كان هناك فكر سواءً توافقنا معه أم إختلفنا معه، طبعاً نحن نختلف معه ونرى أن هذا الفكر غير نابع لا من تراثنا ولا من فكرنا ولا من حركة التاريخ والإجتماع لدى مجتمعاتنا ونابع من طبيعة ثقافية و إجتماعية أخرى، وكان في غالب الأحيان هو ردة فعل على صراع هذه المجتمعات مع السلطة التي كانت تحكمه بإسم الدين، كان هو في الواقع ليس تأسيسياً وإنما هو ردة فعل، الصراع الآن الذي نعيشه صراع ثقافي سلاحه الفرد، الفرد بالقوة والإعلام لذك هو مختلف تماماً عن مرحلة الصراع الماضية ،الصراع الفكري كنت أقابله بالفكر، ثقافة تقابله بالثقافة، اليوم هناك إعلام وهناك ضغوطات إقتصادية وإجتماعية وحصار وضغوطات على الدول وعلى مؤسسات الدول ومن جملتها السلطات التشريعية والتنفيذية ومحاولة فرض أجندة على هذه المؤسسات حتى تُنفذ إرادة هذه الثقافة التي يقودها الغرب، فهذه الحرب وهذا الصراع مع الغرب، فإذاً أنا إعتقادي أن هذا الصراع هو أخطر وأصعب من المرحلة الماضية وإن كان طبعاً لدينا رغم ما نراه من قوة ومن قدرات كبيرة موظفة لهذه الثقافة ولهذا الفكر وإعلام وقدرة على الحصار، ولكن دائماً كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه أن الحق سلطان، في السنن الإلهية الله يحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

واردف… هذه القواعد الإلهية كانت سُنن تعبر عن سُنن تاريخية وإجتماعية، ولذلك كان الحق بنتيجة الصراع الحق هو المنتصر والحق هنا الذي أعتقده هو ليس فقط الحق بالإعتقاد وإنما الحق حتى بالقيم، الدين على حال هو مجموعة من القيم الذي يؤكد عليها ويحافظ عليها ويرى أنها هي في مصلحة الإنسان وفي مصلحة الإنسانية، والواقع هو الذي يُحدد هذه النتيجة كما نراها دائماً أن هذا الصراع ليس صراعاً آنياً وإنما صراع منذ بدء الخليقة ومنذ وجود الإنسان على سطح هذه الأرض، إذاً اليوم ما تتعرض له مجتمعاتنا هو خطير ولكنه ليس بالأمر الذي لا يمكن مواجهته، إن كان هناك طبعاً جدية في مواجهته وعدم التراخي وعمل من الهيئات الثقافية والفكرية والإجتماعية والإعلامية ، ومهما ضعفت الامكانيات الإعلامية لكن الفكر الذي نحمله والثقافة التي نحملها والذات الموجود لدى مجتمعاتنا من القيم هي كنز كبير جداً، وهي قوة كبيرة يمكن أن نستند إليها في مواجهة هذه الأخطار التي نتعرض لها، وعلى كل حال كقاعدة في هذا الصراع يمكن أن يكون هناك تراخي في المجتمع، وهذا لا يعني أن الباطل سينتصر وأن الحق سينتهي لا، كما يقول الله سبحانه وتعالى: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا  وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ً” فإذاً هو غير مرتبط بجيل أو بأجيال أو بقوم تراخوا , و إذا ماتت أُمة فكرياً مات فيها الفكر ومات فيها الحق فالنتائج السيئة تأتي عليها ولكن الحق سيبقى وسيتوالد كما الآية موجودة ” أن لا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً نتائج تأتي عليكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم” إذاً لا ينتهي الصراع مع فئة إجتماعية أو مع جيل من الأجيال أو مع شعب من الشعوب وإنما الحق مستمر إلى النهاية، الآن نحن حينما نتحدث حول الصراع وحول الأفكار وحول الثقافة وهذه القضايا ما هو الميزان في أن هذا الفكر صحيح أو أنه غير صحيح ؟ ليس بالنتائج ونتيجة الصراع وإن كان نتيجة الصراع كما ذكرت ويُحق الله الحق بكلماته لكن بمقدار الميزان ،هنا بمقدار ما يكون هذا الفكر في خدمة الإنسان وفي خدمة المجتمعات البشرية بمقدار ما يكون هذا الفكر صحيح وبمقدار ما يبتعد  عنه .


وقال:  الدين وُجد من أجل خدمة الإنسان ومن أجل الإنسانية، فبمقدار ما يكون الفكر لصالح مجتمعاتٍ بشرية وإستمرارها وصلاحها بمقدار ما يكون هذا الفكر صحيحاً لذلك نقيس هذه الأمور على هذا الأساس، اليوم الفكر الغربي والثقافة الغربية التي تتبنى طبعاً وهو آخر ما تفتقت عنه وما تفتق عنه الفكر المادي هو موضوع الحريات الشخصية وبُنيت الثقافة الغربية على هذا الأساس حتى القوانين والأنظمة قامت على أساس الحريات الشخصية، هذه الحريات الشخصية ماذا كانت نتائجها في الغرب ؟ ومن يرصد المجتمعات الغربية ويرى الكتاب والمحققين والعلماء ماذا يذكرون عن المجتمع الغربي الذي يتنبؤون له بالنهاية التفكك الإجتماعي والفساد ، نحن لا نتحدث عن التقدم في النُظم في نظام السير العام، في النظام الإجتماعي يعني كحقوق وتنظيم وقتل البشر فيما بينهم، وانا أتحدث عن موضوع أكبر وأعظم من هذا في كيفية التعاطي في هذه المجتمعات ، فلنأخذ على سبيل المثال الأسرة وهي الحلقة الأصغر في المجتمع إلى الشأن الإجتماعي الكبير الذي تتحد فيه الأفكار الغربية مع الأفكار الشرقية هي واحدة ، في الواقع إستبدال الأسرة بالمجتمع بالدولة وأن الأم والأب لا شغل لهم و هو يتلاقى مع الثقافية الحالية التي نتحدث عنها موضوع لا أبوة ولا أمومة ولا أسرة وإنما الدولة هي التي تتعاطى بهذا الشأن، نتج عن هذا الموضوع أولاً الأنانية، وأهم نتائج الحريات الفردية والشخصية ما سُمي بالحريات الشخصية هو موضوع الأنانية، المرأة تعتبر حالها أنها هي مستقلة وكأن الزواج والبيت والأسرة ليس  من شغلها ولا من أمومتها، ان تربية الأطفال وتعليم الأطفال يجسد مفهوم التضحية ، وهذا غير موجود في الغرب ، وإنما لها الحق أن تتصرف كما يتصرف الرجل وبعبارة أخرى إلغاء التمايز الوظيفي في الأسرة بين الرجل وبين المرأة ، وهذا ليس جديد .الآن الذي نراه هو محاولة إلغاء التمايز البشري والتنوع وبالتالي التكامل، إلغاء التكامل البشري هو قصور في الفهم البشري لدور المرأة التي عليها ان تجسد مفهوم التضحية وهو مفهوم أخلاقي، الأخلاق ليس لها إعتبار من دون تضحية، ، فيصبح البيت عبارة عن أفراد مستقلين لا يجمع بينهم جامع سوى العلاقة الجنسية فيما بينهم، أما موضوع العاطفة وموضوع الأولاد والترابط الإجتماعي هذا غير موجود على الإطلاق وهو ما أوصل أوروبا و المجتمعات الأوروبية الى ما ذكرناه ، وللأسف أن هذه العناوين الحرية الشخصية وما إلى ذلك غزت مجتمعاتنا، وأنا للأسف حتى بعض المثقفين والذين هم أيضاً يقومون بدور توعوي اجتماعي ثقافي إسلامي حتى هم أُخذوا بهذا المفهوم ويستخدمونه في موضوع الحرية، وأنا تكلمت سابقاً حول هذا الموضوع الحرية والمسؤولية في الإسلام، فهذا يخالف أساساً فكرنا وديننا وحتى مصالح المجتمعات وهذا الذي نتكلم عنه هو أساس المجتمع والأسرة والترابط الذي ينبغي أن يكون بها أشد ما يكون، وهي الخلية الأولى التي يتربى فيها الطفل على القيم ومعنى الابوة والأمومة ومعنى الحياة بشكل عام التي يأخذها أولاً من البيت ومن الأسرة، حتى غدت هذه القضايا مفاهيماً وسلوكاً لأنه غالباً الانسان يتصرف وفق المفاهيم التي يحملها، الخطر هنا حين سارت المجتمعات بشكل عام على هذا الطريق دون ان تدري أخطار هذه المسائل وربما لا يكون هناك في بعض الأحيان من يُنبّه الى هذه الخطورة، لذلك العامل الأهم الذي نتج عن هذه الثقافة ثقافة الحرية الشخصية هو الانانية، نعم الانانيات موجوده وهي غرائز ولكن الثقافة الغربية تسير مع غرائز الناس، ولهذا تتخذ حتى في التشريعات ما يختاره المجتمع ويكون الأكثرية في اتجاه معين في البرلمان الذي يأخذه ككثير من القضايا التي تحصل فيها تشريعات في البرلمانات الأوروبية لأنها ترى ان الأكثرية (وهذا عنوان آخر: موضوع الأكثرية والأقلية) وهنا ليست الأكثرية من يُعتمد عليه في تشريع الأنظمة والقوانين، والمفترض أن تكون مصلحة الإنسان ومصلحة الإنسانية والبشرية هي التي تؤخذ وليس رأي الغالبية وما تميل إليه وما تميل إليه الأكثرية. ان مهمة الفكر والثقافة والدولة والوزارات التي لها إرتباط  بهذا والمراكز الثقافية في العالم والبحوث ينبغي أن يكون اهتمامها فيما هو مصلحة المجتمعات البشرية ومواجهة الأهواء والآراء وما يكون فيه ضرر على المجتمع البشري  وعلى الإنسانية، وانتم تعلمون أنه كُتب في هذا الموضوع الكثير مثلاً موضوع الاضطرابات النفسية، الذهاب الى المخدرات، تشريع المخدرات وبعض الحكومات الاوربية ذهبت الى تشريع المخدرات وسواء شرعوها أم لم يشرعوها أصبحت أمراً واقعاً، الآن مجتمعاتنا سارت بهذا وأساس الموضوع هو هنا، الذي ألجأ الافراد والأجيال الى الذهاب نحو المخدرات هو موضوع الحرية الشخصية وهو مبدأ خطير جداً يؤدي الى هذه النتائج التي ستقضي على البشرية و إن كان سيفسح لها المجال أكثر وسارت بنفس الوتيرة ، ومجتمعاتنا التي تأثرت بهذا أصبحت ملحقة لهذه الثقافة.

يقول رسول الله (ص) في ذلك: ” لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القُذَّةِ بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ خربٍ لدخلتموه”، وهذا دليل على التبعية الكاملة والخروج عن الدين كأن الأمة ليس لها فكرها وثقافتها وتحمل رسالة للوقوف في وجه الانحراف ولحفظ البشرية في العالم تخلّت هي للأسف عن هذه الرسالة وانحلت واندمجت في الثقافة الأخرى واستلحقت بها.

على الصعيد السياسي والاقتصادي نحن نعلم أن مجتمعاتنا للأسف سارت على نفس الطريق إما رأسمالي وإما اشتراكي وكانت النتيجة المزيد من التخلف والخراب والتبعية فلا  نمو ولا خطط اقتصادية في مصلحة بلدانها، والأمر الأساسي والأهم ينبغي أن نتناولها ويتناولها إخواننا الخطباء والمثقفون هو التركيز على هذا الموضوع موضوع الاستلحاق الثقافي والحريات، وفي النتيجة  فان بناتنا وأعراضنا وأسرنا وبيوتنا هي التي ستخرب وتنتهي، وأنا أقول أن هذا الموضوع ليس موضوعاً تآمرياً على العالم العربي والإسلامي بل هو موضوع عالمي وفكر ناتج عن الفكر الغربي المادي البحت الذي ليس فيه روح، وبالتالي أخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار (الحرية الشخصية) بالتأكيد سيصل بنا الى هذا المنحدر، وأهم شعار يرُفع في الغرب هو موضوع حقوق الإنسان، هذه الحرية الشخصية أوصلتنا للعب بهوية الانسان، وإذا أراد اي إنسان ألا يكون إنساناً وأن يكون حيواناً في الثقافة وفي السلوك تعطيه الحرية في ذلك، لأنه بناء على الحرية الشخصية، هل من حق الانسان أن يخرج عن الإنسانية وأن يكون حيواناً عندئذ فلتُسمى حقوق الحيوان، وهم أصلاً بارعون في حقوق الحيوان أكثر من حقوق الإنسان، ونحن من جملة الشعوب التي أخذت نصيبها في هذا المجال نتيجة الغرب الذي يكيل بمكيالين، وأساساً الغرب يعتمد القوة ويعتمد أن البقاء للأقوى في الصراع الثقافي ولم يعمل على ثقافة التكامل بين البشرية وبين الثقافات، بل خلق صراعات بين الثقافات وبين المجتمعات، وعمر الغرب قصير ولكن في هذا العمر القصير كم من الحروب التي وقعت وكم من ضحايا بشرية وكم من جرائم ارتكبت وكما قلت نحن أحد ضحايا هذه الثقافة.

وتطرق الى الاوضاع السياسية فقال: ان ما يشهده وطننا من تفاقم الازمات التي تنهك كواهل اللبنانيين ينذر بعواقب وخيمة على امننا الاجتماعي الذي نشهد تداعياته في المشاكل الاسرية في ظل تصاعد حدة الاحتقان السياسي وانسداد الحلول السياسية بفعل عقلية العناد والمكابرة  وعدم الاحتكام الى الحوار فيما المطلوب من القوى السياسية المتعنتة التي تنتظر املاءات الخارج ان تعود الى رشدها وتلتزم دعوة الحوار التي اطلقها دولة الرئيس نبيه بري لانتاج تفاهمات وطنية بدءاً من التوافق على اسم رئيس الجمهورية تمهيداً لتشكيل حكومة طوارئ انقاذية تخرج الوطن من ازماته المتفاقمة.

ونحن على مقربة من احياء ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر ورفيقيه التي تشكل مناسبة وطنية وإنسانية تستدعي ان يستعيد اللبنانيون مأثر ورؤى الأمام الصدر التي كانت مثال للمسؤولية في  حفظ الوطن وشعبه وتصويب المسار السياسي بما يحقق العدالة الاجتماعية للمواطن، فاننا ندعو اللبنانيين الى استحضار مواقفه في الوحدة الوطنية والخروج من النظام السياسي الطائفي المسؤول عن معظم ازماتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيتحمل السياسيون مسؤولياتهم في تعميم ثقافة المواطنة التي تحقق الانصاف والعدالة التي ينشدها كل المواطنين، ويتم استكمال تطبيق اتفاق الطائف بدءأ من تشكيل اللجنة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ.

ان اللبنانيين لا يملكون ترف الوقت إزاء ما يعانيه الوطن من استنزاف في اقتصاده وشلل في إدارة مؤسساته، مما يحتم ان يتخلى بعض النواب عن النكد السياسي ويتجاوبوا مع الدعوة لعقد جلسات تشريعية تلبي الإصلاحات المطلوبة للنهوض بالوطن من كبوته في هذه المرحلة الصعبة التي يئن منها المواطنون على مختلف الصعد التربوية والمعيشية و الصحية والاقتصادية.

ونحن اذ نجدد التعازي للجيش قيادة وضباطاً وافرادأ ولعائلات شهداء الطوافة العسكرية فاننا نتمنى الشفاء العاجل للجريح، ونؤكد على ضرورة الوقوف مع الجيش الذي يشكل صمام اما للوطن وهو على أهبة الاستعداد للقيام في واجبه في الامن والاستقرار والدفاع عن الوطن وشعبه.

المصدر : جنوبيات