فلسطينيات >داخل فلسطين
تقرير عينٌ على الأقصى.. تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى
تقرير عينٌ على الأقصى.. تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى ‎الخميس 7 09 2023 20:17
تقرير عينٌ على الأقصى.. تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى

جنوبيات

تصدر مؤسسة القدس الدولية منذ عام 2005 تقريراً دوريًّا يرصد الاعتداءات على المسجد الأقصى وتطور خطوات الاحتلال الإسرائيلي تجاهه. ويُعدّ هذا التقرير الخامس عشر في هذه السلسلة وهو يوثّق الاعتداءات على الأقصى ما بين 1/8/2022 و1/8/2023.

تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى

ما زال المسجد الأقصى يرزح تحت محاولات أذرع الاحتلال الحثيثة لتهويده، وتثبيت الوجود اليهودي داخله، وما ينجم عن هذا الوجود من إزالة للوجود البشري الإسلامي، الذي يشكّل الأداة الأولى لعرقلة مخططات الاحتلال، وصدّ اعتداءاته المتكررة بحق الأقصى، ومع كل خطوة تضعف أذرع الاحتلال عبرها الوجود الإسلامي في الأقصى، تدعم في المقابل الوجود الاستيطاني اليهودي داخل المسجد، وهذا ما يفتح المجال أمام تحويل الوجود اليهودي من وجودٍ عابر يتعلق بساعات الاقتحام شبه اليوميّة، إلى وجودٍ دائم. ومع تنامي أطماع المنظمات المتطرفة وتعزيز علاقاتها السياسية والأمنية، شهدت السنوات الماضية تصاعداً في استهداف المكوّن البشري الإسلامي.
ونقدم في هذا الفصل إطلالةً على محاولات الاحتلال فرض الوجود اليهودي داخل المسجد الأقصى، عبر رصد خطط «منظمات المعبد» وما تقوم به من دعواتٍ إلى حشد أكبر أعدادٍ ممكنة من المستوطنين لاقتحام الأقصى، وما يتصل بهذه الاقتحامات من مشاركة الشخصيات السياسية الرسمية والمتطرفين اليهود والحاخامات. ويُقدم الفصل إطلالة على دور الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة في حماية المقتحمين، والاعتداء على الأقصى، وعرقلة عمل دائرة الأوقاف الإسلامية، واستهداف المكوّن البشري الإسلامي عبر عرقلة وصوله إلى الأقصى، وإبعاده عنه مدداً متفاوتة.

أولاً: اقتحام المسجد الأقصى

صعّدت أذرع الاحتلال من اقتحام المسجد الأقصى في أشهر الرصد، وتابعت اقتحام المسجد بصورةٍ شبه يوميّة، إضافةً إلى حشد أعدادٍ كبيرة من المقتحمين بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة، وكثّفت «منظمات المعبد» جهودها لحشد أعدادٍ كبيرة من المستوطنين للمشاركة في هذه الاقتحامات، وشكَّل عيد الفصح العبري الذي تزامن مع الأسبوع الثالث من شهر رمضان، محطة بالغة التصعيد، شهدت إلى جانب الاقتحامات الحاشدة جملةً من الاعتداءات بحق المسجد الأقصى ومكوناته البشرية. وإلى جانب الأعياد اليهودية شهدت المناسبات «الوطنية» الإسرائيلية اقتحامات حاشدة، على غرار ذكرى قيام دولة الاحتلال، و«يوم توحيد القدس».

اقتحامات الشخصيات الرسمية

تدعم شخصيات سياسية إسرائيلية عديدة «منظمات المعبد» وتتبنّى أطروحاتها، وشهدت الحكومة الإسرائيلية الأخيرة مشاركة عددٍ من الوزراء الذين يتماهون معها، إن من خلال التصريحات، أو عبر المشاركة في اقتحام المسجد الأقصى، إضافةً إلى التحريض الدائم على كل ما يتعلق بالمسجد. وشهد الرصد الحالي تصاعداً في حجم الاقتحامات السياسية للأقصى وكثافتها، فقد بلغت ما بين 1/8/2022 و1/8/2023 نحو 16 اقتحاماً، بعد تراجعها بشكلٍ كبير في التقارير الثلاثة الماضية، فقد رصد التقرير السادس عشر ثلاثة اقتحامات سياسية ما بين 1/8/2021 و1/8/2022، في مقابل 4 اقتحامات رصدها التقرير الخامس عشر.
ويُعدّ وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (القوة اليهودية) أكثر الوجوه السياسيّة الإسرائيليّة الحالية مشاركة في اقتحام الأقصى، فقد اقتحمه 6 مرات في أشهر الرصد، من بينها اقتحامه في 7/8/2022 بالتزامن مع ذكرى «خراب المعبد». وفي 12/10/2022 اقتحم بن غفير الأقصى بالتزامن مع اليوم الثالث من «عيد العُرُش». ومع توليه منصب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، اقتحم بن غفير الأقصى في 3/1/2023، وكرّر حديثه عن «تهديدات حماس». أما اقتحام بن غفير الأخير في أشهر الرصد، فكان في 27/7/2023 بالتزامن مع ذكرى «خراب المعبد»، وفي مقطع مصور في أثناء تجوله في ساحات الأقصى قال بن غفير «هذا المكان هو الأهم، نحتاج إلى العودة إليه وإظهار سيادتنا عليه».
وإلى جانب بن غفير، برز في مدة الرصد عددٌ من الشخصيات الرسمية، من بينهم وزير النقب والجليل في حكومة الاحتلال المتطرف يتسحاق فاسرلاف (القوة اليهودية)، الذي اقتحم الأقصى ثلاث مرات. إضافةً إلى عددٍ من أعضاء «الكنيست» اقتحموا الأقصى في أكثر من مناسبة، وهم يوم توف كالفون (يمينا)، وأرئيل كيلنر وعميت هاليفي ودان إيلوز وشارين هسكل ونسيم فاتوري (ليكود)، وتسفيكا فوغيل (القوة اليهودية).

اقتحامات المتطرفين اليهود

تُشكّل اقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى الأداة الأبرز لفرض الوجود اليهودي داخله، وقد رسّخت أذرع الاحتلال الاقتحامات لتكون أبرز الاعتداءات شبه اليومية التي يتعرض لها المسجد الأقصى، وعملت هذه الأذرع وفي مقدمتها «منظمات المعبد» على رفع حجمه وكثافته عاماً بعد آخر، عبر اقتحام المسجد الأقصى بشكلٍ شبه يوميّ، إضافةً إلى استفادتها من الأعياد الدينيّة اليهوديّة والمناسبات الأخرى لرفع أعداد المقتحمين من جهة، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات الأقصى الشرقية من جهة أخرى.
ولا تترك «منظمات المعبد» مناسبةً إلّا وتستفيد منها لاستهداف المسجد الأقصى ومكوناته المختلفة، إلى جانب توظيف الطقوس اليهودية لرفع حجم استهداف المسجد الأقصى، فقبل عدة أسابيع من ذكرى «خراب المعبد» أطلقت «منظمات المعبد» استعداداتها لحشد أكبر أعدادٍ من المقتحمين مطلقة على هذه الحملة عنوان «توقف عن البكاء وابدأ بالبناء»، وفي 7/8/2022 اقتحم الأقصى نحو 2201 مستوطناً، وبحسب مصادر فلسطينية تراوحت مجموعات المقتحمين ما بين 30 و90 مستوطناً، وشهد الاقتحام مشاركة العشرات من عتاة المتطرفين، اقتحموا الأقصى مرتدين لباس «التوبة» الأبيض.
ويُعدّ عيد «العُرُش» واحداً من أبرز الأعياد اليهودية التي تشهد اقتحامات حاشدة للمسجد الأقصى، وقد أعلنت «منظمات المعبد» أنها تخطط لمشاركة نحو 5 آلاف مستوطن في اليوم الثاني من العيد في 11/10/2022، إضافةً إلى المكافآت المالية التي أعلنت عنها قبيل «عيد الغفران». وفي اليوم الثاني من العيد في 10/10/2022 اقتحم الأقصى 278 مستوطناً، تلقّى عددٌ منهم شروحات عن «المعبد»، وأدّوا طقوساً يهودية علنية في ساحات الأقصى الشرقية. وفي 11/10/2022 استبقت قوات الاحتلال الاقتحامات بفرض إجراءاتٍ مشددة أمام المسجد الأقصى وفي ساحاته، وشهد الاقتحام جملةً من الاعتداءات من بينها أداء أعدادٍ من المستوطنين السجود الملحمي في ساحات الأقصى. وإدخال عددٍ من المقتحمين القرابين النباتية إلى المسجد، وبلغ عدد مقتحمي المسجد في هذا اليوم نحو 1519 مستوطناً.
ويمكن أن نسلّط الضوء على عيد «الفصح العبري» كأبرز مواسم الاعتداء على الأقصى في أشهر الرصد، إذ أعادت المنظمات المتطرفة إغراء جمهور المستوطنين بالمكافآت المالية على غرار ما جرى في عام 2022، وقُبيل حلول العيد حاولت شرطة الاحتلال إنهاء الاعتكاف في المسجد أكثر من مرة. وبحسب مصادر فلسطينية شارك في اقتحام الأقصى نحو 3430 مستوطناً في أيام «الفصح» العبري، وشهدت هذه الاقتحامات مشاركة أعضاء حاليين في «الكنيست»، وقادة في «منظمات المعبد» إضافةً إلى عددٍ من الحاخامات.
ولم تعد المناسبات الدينية اليهودية، هي المناسبات الوحيدة التي تشهد اقتحامات حاشدة للمسجد الأقصى، بل صعّدت أذرع الاحتلال من استخدام مختلف المناسبات الإسرائيلية، ومن بينها يوم «توحيد القدس» ففي 18/5/2023 اقتحم الأقصى 1286 مستوطناً، وشهد المسجد انتشاراً مكثفاً من قبل قوات الاحتلال، وشارك في الاقتحام وزراء في حكومة الاحتلال وأعضاء في «الكنيست»، وكشفت مقاطع مصورة نشرتها منظمات الاحتلال المتطرفة أداء أعضاء «الكنيست» نشيد "الهاتيكفاه” داخل باحات المسجد، وشهدت فترة الاقتحامات المسائية رفع أحد المقتحمين علماً صغيراً للاحتلال وهو في طريقه نحو خارج المسجد الأقصى، ولم تستطع أذرع الاحتلال تحقيق الهدف الذي وضعته، فقد نشرت بأنها تخطط لمشاركة نحو 5 آلاف مستوطن في اقتحام المسجد، إلا أن عدد مقتحمي المسجد كان أقلّ بكثير من ذلك الهدف.
وتُعدّ ذكرى «خراب المعبد” آخر محطات التصعيد التي يغطيها التقرير، خاصة أنها تزامنت مع الذكرى السادسة لنصر هبة «باب الأسباط»؛ ففي 27/7/2023 اقتحم الأقصى 2180 مستوطناً، بمشاركة حاخامات وسياسيين، من بينهم رئيس «اتحاد جماعات المعبد» الحاخام شمشون إلباوم، وأدّى المقتحمون صلوات يهوديّة علنية في ساحات الأقصى الشرقية، وسمحت شرطة الاحتلال أن يضم فوج المقتحمين الواحد نحو 100 مستوطن، أدّوا صلواتٍ يهودية صامتة وعلنية في ساحات الأقصى الشرقية، وكشفت مقاطع مصورة نشرتها المنظمات المتطرفة عن قيام المقتحمين بالغناء والرقص داخل ساحات المسجد، إضافةً إلى أداء «السجود الملحمي» بشكلٍ جماعي. وعلى الرغم من هذه الاقتحامات الحاشدة، فإن أذرع الاحتلال لم تستطع تجاوز رقم الاقتحام في العام الماضي.
وفي حصيلة جهود أذرع الاحتلال هذه، بلغ عدد اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى المبارك في مدة الرصد الممتدة من 1/8/2022 حتى 1/8/2023، نحو 58533 مقتحماً، من المستوطنين والطلاب اليهود وعناصر الاحتلال الأمنية.
ويُشير العدد الإجمالي لمقتحمي المسجد الأقصى، ومعطيات الرسم البياني أعلاه، إلى تصاعدٍ جديد في أعداد مقتحمي الأقصى بلغ نحو 7816 مقتحماً، مقارنة بأعداد مقتحمي الأقصى التي رصدها التقرير الماضي فقد بلغ عددهم نحو 50717 مقتحماً، ما بين 1/8/2021 و1/8/2022، أي أن معطيات الرصد الحالي سجلت ارتفاعاً بنحو 15.4%.
شكّلت أذرع الاحتلال الأمنية رديفاً للمستوطنين في اقتحامات المسجد الأقصى، وتحوّلت في السنوات الماضية إلى واحدةٍ من أبرز أدوات الاحتلال لفرض سيطرته على الأقصى، وما يتصل بها من فرض القيود أمام أبواب المسجد، والتضييق على مكوناته البشرية، وخلال مدة الرصد رسخت الاقتحامات الأمنية للمسجد عدداً من الأدوار بالغة الخطورة، وهي:
• توفير المزيد من حماية لأداء المستوطنين للطقوس اليهوديّة العلنية، ومنع أي عناصر بشرية إسلامية من عرقلة تعرقل أداء هذه الصلوات.
• العمل على إفراغ الأقصى من المرابطين، واستخدام القمع والتنكيل والاعتقال، لتحقيق هذا الهدف.
• تأمين مسار الاقتحامات داخل الأقصى، ومنع أي عنصر بشري إسلامي من الرباط فيه.
• الاستهداف المتكرر للساحات الشرقية للأقصى، من خلال اقتحام مصلى باب الرحمة ومحاولة إفراغ محتوياته، وقطع أسلاك الكهرباء والصوت أكثر من مرة.

ثانياً: التدخّل المباشر في إدارة المسجد

يُعدّ التدخّل المباشر في إدارة المسجد الأقصى جزءاً أساسياً من مخططات الاحتلال الرامية إلى تثبيت الوجود اليهودي في الأقصى. ولا تقف تدخّلات الاحتلال في إدارة الأقصى، عند حد منعه ترميم معالم المسجد وصيانتها، بل تمتد إلى عرقلة تنفيذ مشاريع العمارة الضرورية، واستهداف كوادر دائرة الأوقاف من خلال استهداف الموظفين والحراس، وتصل إلى محاولات الاحتلال إفراغ المسجد من مكوناته البشرية الإسلامية، من خلال فرض القيود المختلفة على أبواب المسجد، وإصدار قرارات الإبعاد بحق المصلين والمرابطين.

المصدر : اللواء