منذ بداية العدوان الاسرائيلي على غزة وأميركا والغرب يضعان كل الإمكانات العسكرية والأمنية والمالية والسياسية والإعلامية في تصرّف دولة الإغتصاب والإرهاب اسرائيل . وكأن الشعب الفلسطيني غير موجود . وإذا وجد لا بدّ من إلغائه ، فلا حق له ولا قضية ولا أرض محتلة وابناؤه ليسوا بشراً مثل غيرهم يحق لهم أن يعيشوا بأمان وكرامة وسلام !! إنه زمن سقوط القيم . سقوط أميركا والغرب اللذين يتحدثان عن الديموقراطية والعدالة وحقوق الانسان وحرية التفكير والتعبير ويفرضان عقوبات وفق معاييرهما على كل من ينتهكها . 
اليوم نشهد سقوط قيمة " الإعلام الحر " ومؤسساته الرائدة وفي الطليعة ال BBC  . الإذاعة التي اعتدنا على سماعها باللغة العربية لعقود من الزمن والتي تميّزت بالرصانة والموضوعية ، وعندما أقفلت كان حزن في داخلنا وشعور بالغربة يحيط بنا . وكنا نتابع المحطة التلفزيونية التي فوجئنا بسقوطها وإهانة تاريخها في تغطية العدوان على غزة . من حقها ، من موقعها ،  أن تعبّر عن رأيها  وترفض عقيدة " حماس " ودورها ، ولكن ليس من حقها – الذي عودتنا على ممارسته – أن تتنكّر لحق الشعب الفلسطيني وأن تتجاوز المجازر التي تنفذ ضده من قبل اسرائيل ، وأن تذهب الى تأنيب وتنبيه وتهديد ووقف العمل مع عاملين فيها مميزين بكفاءاتهم وأخلاقيـاتهم المهنية إن هم تضامنوا مع فلسطين ومن بينهم بشكل خاص الزميلتان ندى عبد الصمد وسناء الخوري !! وفي المقابل تتبنى الروايات الاسرائيلية بالكامل بدءاً من الرواية الكاذبة عن قيام " حماس " عند اقتحامها الجدران الفاصلة بين غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى المحتلة  " بقطع رؤوس الأطفال " و " ذبح النساء " ، ثم رواية " وجود أنفاق تحت المستشفيات " لتبرير تدمير المستشفى المعمداني على رؤوس الأطباء والممرضين والمرضى والعاملين فيه واللاجئين اليه وارتكاب أبشع مجزرة من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي . 
خرجت مظاهرات في بريطانيا ، وغطى إعلام العالم كله حجمها ومدى إتساعها في مناطق مختلفة . فخرجت كبيرة المذيعين في المحطة مريم بوتيري لتقول : " لقد تحدثنا في وقت سابق عن بعض التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وقلنا إن تظاهرات خرجت في أنحاء بريطانيا جميعها وأن المشاركين أعربوا عن دعمهم ل " حماس " ، ما حدث كان توصيفاً مضللاً للتظاهرات وصيغ بصورة سيئة " !! 
الإعلامي التونسي بسام بونيني قدّم استقالته من المحطة وقال : " فعلت ما يحتّمه عليّ الضمير الأخلاقي والمهني . شعرت أنني لم أعد قادراً على المواصلة وانتابني هذا الإحساس منذ بداية " طوفان الأقصى " . 
مأساوي واقع ال BBC  اليوم . لا علاقة لها بالناس الذين خرجوا عشرات الآلاف الى الشارع في بريطانيا . ولا برأيهم وقناعاتهم . ولا علاقة لها بمعاناة الشعب الفلسطيني وحتى بالإعلام عندما يسقط منه شهداء في غزة ولبنان على أيدي جنود الاحتلال الاسرائيلي وعن سابق تصور وتصميم . أهذه هي الديمقراطية البريطانية أم روح الاستعمار والاستكبار ؟؟ أقول ذلك بألم في الحديث عن أعرق المؤسسات الإعلامية لكن الوقائع عنيدة . هذه هي الحقيقة . 
عندما تسقط ال BBC  نقلق على الحرية والحرفية في الإعلام وعلى الحقيقة والأخلاق المهنية . فكيف إذا جاء السقوط وغزة ترتقي ويرتقي معها آلاف الأطفال الشهداء والأمهات البريئات والأبرياء بفعل العدوان الاسرائيلي الذي يستهدف المساجد والكنائس والمستشفيات ويرفض إدخال المياه والأدوية والغذاء الى الناجين من المذابح وتريد اسرائيل قتل المزيد منهم وإقتــلاع من يبقى على قيد الحياة من أرضه للسيطرة عليها كلها . 
الموقف السياسي البريطاني الرسمي مخز . معيب . وجرّ ال BBC  إلى سقوط غير مقبول لكن ذلك يعطي فكرة عن الوجهة التي يريدون أخذ الغرب والعالم اليها أكثر. العنصرية . الحقد . الكراهية . الفوضى . وكل ذلك تحت عنوان الديموقراطية .