بأقلامهم >بأقلامهم
"بائعة السّمن"!
"بائعة السّمن"! ‎الأربعاء 22 11 2023 08:39 القاضي م جمال الحلو
"بائعة السّمن"!

جنوبيات

حدّثني جدّي لوالدي طيّب الله ثراه أنّه ذات يوم، وفيما كان أحد الأشخاص يطوف في السوق، مرّت أمامه امرأة تحمل فوق رأسها جرّة قديمة من الفخّار.

فسألها: ماذا تبيعين يا امرأة؟
أجابت: أبيع السّمن.
فطلب منها أن يعاين البضاعة بنفسه ويراها بعينيه، فامتثلت. 
وبينما هي تنزل جرّة السّمن من فوق رأسها إذ ببعض السّمن يقع على ثيابه!
إزاء ذلك، غضب الرّجل غضبًا شديدًا موجّهًا الكلام القاسي وإذ به يقول بصوت عالي النبرة:
أعطني ثمن الثّوب الذي أفسدته يا امرأة!
اعتذرت منه المسكينةُ ولكن من دون جدوى.
عندها سألته: كم ثمن الثوب؟
فقال لها: 1000 درهم!
بكت المرأة بحرقة وقالت: 
ومن أين لي بألف درهم يا سيّدي، ارحمني ولا تفضحني. في حين أنّ الرّجل العنيد لم يكترث لبكائها وبقي على موقفه مطالبًا بثمن الثّوب. 
وبينما هو يتهدّد ويتوعّد، أقبل شابّ عليه ملامح الوقار فسأل المرأة عن شأنها.
فقصّت عليه الأمر وبيّنته.
قال الفتى للرجل: أنا أدفع لك ثمن الثّوب، وأخرج ألف درهم وبدأ بعدّها أمام الملأ في السّوق  وأعطاها للرجل.
أخذ الرجل النّقود وهمّ بالرّحيل، لكن الشّابّ استوقفه وسأله من جديد: هل أخذت ثمن الثّوب؟
أجاب: نعم.
قال الشّابّ: إذن، فأعطني الثّوب.
أجاب الرّجل: ولمَ؟!
قال الشّاب: أعطيناك ثمنه فأعطنا ثوبنا.
فردّ الرّجل (باستغراب): وأسير عاريًا؟!
قال الشّابّ: وما شأني أنا؟
ردّ الرّجل: وإن لم أعطك الثّوب؟
فأجابه الشّابّ: تعطينا ثمنه.
ردّ الرّجل: تقصد 1000 درهم؟
فقال الشّابّ: لا بل الثمن الذي نطلبه.
فقال له الرّجل: ولكنّك دفعت لي ألف درهم منذ قليل!
فأجاب الشّابّ: والآن أريد ثمنه 2000 درهم. 
فقال له الرجل: ولكن هذا كثير!
قال الشّابّ: في هذه الحالة، أعطِنا ثوبنا، وكفّ عن الكلام! 
عندها قال الرّجل: أتريد أن تفضحني؟
فردّ الشّابّ: كما كنت تريد أن تفضح هذه المرأة المسكينة.
فقال الرّجل: هذا ظلم!
قال الشّابّ: الآن تتكلّم عن الظّلم؟!
وما قمت به ألا يُسمّى ظلمًا (بل هو عين الظّلم).
خجل الرّجل من فعلته ودفع المال للشابّ كما طلب.
ومن فوره أعلن الشّابّ على الملأ أنّ المال هديّة منه للمرأة المسكينة.
نعم أيها السّادة، فإدارة النّزاعات تتطلّب الحكمة والتضحية.
ويا ليت كلّ ظالم يفكّر ولو للحظة أنّ الأيّام لو دارت عليه، وأصبح في مكان المظلوم، فكيف سيكون حاله؟
فالظلم ظلمات يوم القيامة. 
وصدق المولى عزّ وجلّ بقوله في محكم تنزيله: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". 

 

المصدر : جنوبيات