![]() |
الثلاثاء 6 أيار 2025 10:42 ص |
في ذكرى رحيل محمد علي الخطيب: حين رسم الذاكرة وخلّد البطل القبرصلي |
* جنوبيات
في ذكرى غياب الفنّان الكبير، الشاعر، والأديب محمد علي الخطيب، نقف وقفة تأمّلٍ أمام إرث لا يُقدَّر بثمن، تركه لنا هذا المبدع الذي لم يكن يرسم بريشته فحسب، بل بروحه، وذاكرته، ووجعه، وآمال شعبه. لقد شكّل محمد علي الخطيب علامة فارقة في الفن المقاوم، حيث اختلطت الألوان بدماء الشهداء، واختلطت اللوحات بنداءات الحرية، فكان بذلك ليس مجرد رسّام، بل مؤرّخًا بصريًا لذاكرة الجنوب وذاكرة الوطن بأسره.
من بين أعماله الكثيرة التي لا تُنسى، تبرز لوحة "الشهيد القبرصلي" كتحفة فنية نادرة لا يمكن المرور بها مرور الكرام. جسّد فيها الخطيب بطولة ذلك الفتى الصيداوي المراهق، ابن الستة عشر عامًا، الذي واجه المُحتل وجهًا لوجه، في واحدة من أشجع عمليات المقاومة في مدينة صيدا، إبّان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. لم يكن القبرصلي مجرد فتى، بل كان رمزًا لميلاد المقاومة، وانبعاث الروح المقاتلة في وجه آلة القمع والدمار. لم يكن محمد علي الخطيب فنانًا محايدًا، بل كان صاحب موقف، ورسالة. قال مرارًا إنه كان يخشى أن تُمحى مناظر صيدا الطبيعية من الذاكرة، كما تُمحى معالمها بفعل العدوان، ولذلك رسمها مرارًا وتكرارًا، كي تبقى حية في ذاكرة الأجيال. وكان يقول: "أرسم الحرب، لأنني أخاف أن تُنسى. أرسم المقاومة، لأنني أخاف أن تُشوَّه. أرسم الجنوب، لأنه قلب الوطن النابض".
واليوم، في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقتنا، حيث تختلط الأصوات وتُزيف الحقائق، يبدو لزامًا علينا أن نستعيد دروس محمد علي الخطيب، وأن نُذكّر العالم بأن المقاومة لم تأتِ من فراغ، بل من أرض، وناس، ومدن، أولها كانت صيدا الباسلة. وأن أولئك الأبطال، كالقبرصلي، لم يكونوا رموزًا عابرة، بل شواهد خالدة على ما يمكن للحرية أن تصنعه في قلوب الصغار قبل الكبار. المصدر :جنوبيات |