![]() |
الخميس 8 أيار 2025 15:52 م |
نفاد الوقود يهدد الأرواح بمستشفيات غزة |
* جنوبيات
في قسم الأطفال بمستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح وسط قطاع غزة، يخيّم الصمت المقلق، لا يُسمع فيه سوى صوت أجهزة الأوكسجين التي قد تتوقف في أي لحظة، مع قرب نفاد الوقود المشغّل للمولدات الكهربائية. يقف الأطباء والممرضون في حالة ترقّب، بينما تهمس الأمهات بالدعاء أمام أسرّة أطفالهن، بعد أن بات الخطر وشيكًا. وفي ظل الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي عن قطاع غزة، تعتمد المستشفيات على المولدات الكهربائية كمصدر وحيد للطاقة. إلا أن هذه المولدات مهددة بالتوقف في أي لحظة بسبب النقص الحاد في الوقود وغياب قطع الغيار، بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي وتدمير العديد منها خلال العدوان المتواصل. وذكرت مصادر طبية أن كميات الوقود المتوفرة في مستشفيات القطاع، لا تكفي سوى لأيام فقط، محذرة من أن استمرار الاحتلال في إعاقة وصول إمدادات الوقود "يهدد بتوقفها عن العمل بالكامل". الخطر يقترب وفي أحد أركان القسم، تجلس المواطنة نوال أبو رويضة بجانب طفلتها المريضة بضيق في التنفس وضعف عام، نتيجة المجاعة التي تعصف بالقطاع منذ أشهر. تحاول نوال تهدئة طفلتها المريضة، وتقول بصوت خافت تشوبه المرارة لوكالة الأناضول: "بنتي دايبة من الجوع... بتاخذ أوكسجين ونفسها ضيق". وحين سمعت نوال عن احتمال توقف مولدات الكهرباء في المستشفى، بدت عليها علامات القلق وقالت بصوت متهدج: "هل يمكن أن ينقطع الأوكسجين عن ابنتي؟ جئنا نعالج أولادنا بالمستشفى، وإذا توقفت الكهرباء، كيف سيعيشون؟" وأضافت: "إذا الكهرباء انقطعت في المستشفى، الكل سيموتون". تحت التهديد وفي قسم الحضانات، حيث يرقد العشرات من الأطفال حديثي الولادة، يواصل الأطباء والممرضون عملهم تحت ضغط خانق، يراقبون المؤشرات الحيوية للأطفال بقلق بالغ، وعيونهم تتابع حالة المولدات الكهربائية بالمستشفى. فيما الأهالي، وغالبيتهم من الأمهات، يلازمون المستشفى في صمت وقلق، ينتظرون أخبارًا مطمئنة عن أطفالهم. تتنقل بعض الأمهات بهدوء بين أبواب الأقسام، بينما تجلس أخريات على المقاعد أو في زوايا الممرات وهنّ يهمسن بالدعاء. القسم، رغم ما فيه من عناية، بات مهددًا بالتوقف الكامل، ومعه مهددة حياة الأطفال، جراء وقف الاحتلال إمدادات الوقود. انهيار صحي شامل وأكد مصدر طبي في مستشفى "شهداء الأقصى" أن "جيش الاحتلال يمنع وصول المنظمات الدولية إلى أماكن تخزين الوقود". وقال: "هذا يعني عمليًا إخراج المستشفيات من الخدمة، خاصة الأقسام الحيوية مثل العناية المركزة، الحضانات، القلب، الكلى، الأشعة، والعمليات". وأضاف: "عندما تتوقف الكهرباء عن المستشفيات، فهذا بمثابة حكم بالإعدام على المرضى والمصابين، وتوقف سيارات الإسعاف عن العمل يعني ترك الجرحى ينزفون حتى الموت في أماكن الاستهداف". ومنذ أكثر من 66 يومًا، يمنع الاحتلال إدخال الوقود وقطع الغيار والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة، ما أدى إلى شبه انهيار للقطاع الصحي، وسط تحذيرات من كارثة وشيكة قد تُنهي ما تبقى من حياة في المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل. وأكد المصدر الطبي أن "ما يجري هو خطة ممنهجة لإخراج جميع المستشفيات عن الخدمة، وقتل المصابين ببطء، من خلال منع الإسعاف وقطع الكهرباء ومنع دخول الأدوية وحتى التطعيمات الأساسية للأطفال". وطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري للضغط على إسرائيل والسماح بإدخال الوقود اللازم قبل فوات الأوان. وفي مطلع آذار/ مارس الماضي، صعَّد الاحتلال من جرائمه باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل. وأفادت مصادر طبية بارتفاع عدد الوفيات بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية إلى 57 مواطنا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، محذرة من تزايد العدد في ظل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإغاثية منذ شهرين. ولأكثر من مرة، حذر مسؤولون حقوقيون وأمميون من مخاطر استمرار إغلاق إسرائيل للمعابر ومنعها دخول الإمدادات الأساسية من غذاء وأدوية ووقود ومياه للقطاع منذ شهرين. وأعلن رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، قطاع غزة منطقة مجاعة، داعيا المنظومة الأممية بكاملها أن تُفعّل آلياتها فورا، وأن تتعامل مع غزة كمنطقة مجاعة، بما يستتبع ذلك من تدخل دولي عاجل ورفع فوري لكل القيود التي تمنع الإغاثة. وحمّل رئيس الوزراء، إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية المتعمدة في غزة. ويعتمد المواطنون في قطاع غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ارتكابها منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي. وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90% من المواطنين في القطاع من منازلهم، جراء التهجير الإسرائيلي، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون داخل ملاجئ مكتظة أو في العراء، ما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة. ويرتكب الاحتلال الإسرائيلي من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود. المصدر :وكالة وفا |