![]() |
الاثنين 12 أيار 2025 07:56 ص |
الرابع من آب موعد صدور القرار الإتهامي لانفجار المرفأ |
* جنوبيات تبدأ غداً الزيارة الخارجية الرسمية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض. وهو اختار أن تكون وجهته الأولى المملكة العربية السعودية، من ضمن جولة خليجية ستشمل دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة. وهو بذلك أراد أن يعطي إشارة واضحة حول الموقع الذي ستحتله دول الخليج في استراتيجية سياسته الخارجية، خلال ولايته الرئاسية الثانية. ويعمل ترامب على صوغ علاقة واشنطن بدول الخليج، وفي طليعتها السعودية، بعد مرحلة من التباعد، والتي تخللتها محطات متوترة، شعرت خلالها بأنّها باتت مكشوفة أمنياً أمام إيران وحلفائها، وسط عدم اكتراث أميركي. ولاحقاً، لم تفلح إدارة بايدن في إعادة إصلاح جوانب هذه العلاقة، خصوصاً بعد الانعطافة التي نفّذتها السعودية باتجاه الصين، حيث فتحت أبواب التعاون الإقتصادي معها، وفي الوقت نفسه إبداء مرونة واضحة في فتح قنوات التواصل مع «الجار اللدود» إيران، ولو مع تمسّك كلا الطرفين ضمناً بالمشاعر العدائية تجاه الآخر. صحيحٌ أنّ السعودية كانت متحمسة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهي ربما ساهمت لمصلحة هذا التوجّه، إلّا أنّ «التنويع» في علاقاتها الإقتصادية الدولية، والمحافظة على قنوات التواصل مع طهران، باتا يشكّلان ثابتتان في رسم استراتيجيات سياستها الخارجية. فهي تستعد لمشاريع اقتصادية ضخمة طابعها دولي، مثل «إكسبو 2030» ومونديال 2034، ما يستوجب انتهاج سياسة خارجية انفتاحية ملائمة، تسمح لها بالتفرّغ لإنجاح أهدافها.
وفي موازاة ذلك، هي تدرك أنّ الرئيس الأميركي الذي دخل مطبّات عاصفة وصعبة، على رغم من أنه في فترة وجوده القصيرة في البيت الأبيض، بات بأمسّ الحاجة لاستعادة بريقه الداخلي، في وقت باشر حزبه الجمهوري التحضير للإنتخابات النصفية، والتي يعوّل عليها ترامب كثيراً لإحكام قبضته على مجلسي النواب والشيوخ لإمرار مشاريعه الكبرى. ولا شك في أنّ ترامب تابع أرقام استطلاعات الرأي قبل مغادرته واشنطن، والتي أظهرت تراجعاً حاداً في شعبيته. وبالتالي فإنّ أول ما يتوخاه من جولته الخليجية هو الفوز باستثمارات ضخمة لمصلحة الإقتصاد الأميركي «المصدوم» من قراراته الجمركية، إضافة إلى خفض أسعار النفط، ما سينعكس فوراً على المواطن الأميركي، وذلك عبر زيادة السعودية إنتاجها النفطي، وهو ما كانت بدأت فعلاً في تنفيذه. أما الجانب المتعلق بالتوازنات الإقليمية الجديدة في ظل إعادة ترتيب الخريطة الجديدة للنفوذ السياسي في المنطقة، فسيكون حاضراً بقوة، وسط الحديث الدائر عن قرب التوصل إلى صفقة «نووية» مع طهران، وحيث من المفترض أن يشمل ذلك اتفاقاً أوسع يطاول السعودية وأمن الخليج وحلاً فلسطينياً على أساس «الدولتين» يمهّد لاستكمال التطبيع.
وجاءت الجولة التفاوضية الرابعة بين الوفدين الأميركي والإيراني في مسقط قبل يومين من وصول ترامب إلى المنطقة. ووضع البعض إرتفاع نبرة التساجل بين واشنطن وطهران في إطار التغطية على قرب التوصل لاتفاق لا العكس. وثمة دلائل عدة تدعم هذا الإعتقاد، منها ما يتعلق بإقالة مستشار الأمن القومي مايكل والتز المتشدّد، ومنها أيضاً وقف النار في اليمن من خلال الموفد ستيف يتكوف نفسه، وهنالك أيضاً التصعيد العسكري الإسرائيلي المفاجئ وما تبعه من صدام علني بين ترامب ونتنياهو...
ووفق السياق نفسه، تصبح زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للسعودية قبل ساعات من وصول ترامب أكثر وضوحاً، وفي إطار الترتيبات الجاري حياكتها في الكواليس.
ووفق مسار الترتيبات التي تلاحقت في المرحلة الأخيرة، يبدو جلياً أنّ ضمان استمرارية النظام الديني القائم في إيران، وإعادة ضمّ طهران إلى الحضن الإقتصادي العالمي، لا يلحظان استمرار النفوذ العسكري الإيراني خارج حدودها. أي إنّ استعادة القوة الإقتصادية وضمان الإستقرار الداخلي سيشكّلان بديلاً من «المخالب» العسكرية التي كانت تمتاز بها إيران عبر «محور المقاومة». فحتى قرار وقف النار مع الحوثيين انطوى على إقرار ضمني بعدم اللجوء إلى «المخلب» البحري الإيراني للضغط عبر الممر المائي للتجارة العالمية. كما أنّ من البديهي الإستنتاج بأنّ التسوية الكبيرة الجارية ستشمل حلولاً للقدرة الصاروخية الحوثية، والتي شكّلت تهديداً أمنياً لدول الخليج. وحتى في العراق ثمة كلام جديد عن دور تركي لتعديل موازين القوى القائمة.
أما بالنسبة إلى لبنان وسوريا، فبات واضحاً أيضاً التعاون السعودي والفرنسي تحت المظلة الأميركية. فالترتيبات الجديدة أظهرت الأهمية الخاصة للساحلين السوري واللبناني خصوصاً، والتي يحلو لواشنطن تصنيفها بأنّها تشكّل مدخلاً استراتيجياً إلى داخل الشرق الأوسط. فلقد بدا لأوروبا كما لواشنطن وأيضاً الخليج، أهمية الورقة التي أمسكت بها إيران، والتي بلغت ذروة قوتها مع وصول حليفها ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وحيازتها الغالبية في مجلس نواب 2018. فحدود إيران الفعلية باتت يومها عند سواحل أوروبا، والأمن الخليجي شهد اهتزازات عدة متخذاً أشكالاً عدة مثل «الكبتاغون» وغيره.
وفي موازاة العلاقات المفتوحة بين السعودية وإيران، ثمة قرار حاسم بترسيخ المعادلة الجديدة القائمة في لبنان، أياً كانت التطورات أو التفاهمات الإقليمية الكبرى. أما في سوريا، فدخول حذر بالتنسيق مع فرنسا، خصوصاً مع وجود ضيف «ثقيل» بحضور وازن اسمه تركيا. وفي وقت تسعى الرياض إلى مدّ يد المساعدة المالية إلى الرئيس السوري احمد الشرع بالتعاون مع قطر بكثير من التأنّي والحذر، انطلقت باريس في عملية فتح أبواب أوروبا أمام الشرع، بعد استقباله في زيارة رسمية إثر قطيعة مع دمشق دامت نحو 14 عاماً. وما من شك أنّ حسابات التوازنات مع الدور التركي موجودة بقوة، لكن تبقى المهمّة الأساس بمنع استنساخ أفغانستان جديدة، وقطع الطريق على إيران من العودة عبر التعاطي بواقعية وحذر مع كل مكونات المجتمع السوري.
وفي لبنان يستمر الدفع في اتجاه ترسيخ التوازنات الجديدة. ففي وقت نجحت الدولة اللبنانية في إجراء الانتخابات البلدية، وهو ما أعطاها صورة إيجابية، جاءت قرارات فتح الأبواب مجدداً للمواطنين الخليجيين للسفر إلى لبنان بمثابة جرعة دعم معنوية واقتصادية. وتأتي هذه العودة الخليجية في وقت يستمر قرار وقف التواصل الجوي المباشر بين بيروت وطهران قائماً. وهي صورة تعّبر في وضوح عن المشهد الحقيقي.
ووسط الجدل حول السلاح على كافة الأراضي اللبنانية، والذي سيرتفع أكثر مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وملف السلاح في المخيمات. ثمة محطة أخرى قضائية ستحمل تبعات ونتائج سياسية من دون شك. فوفق بعض الهمسات، فإنّ المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت بات على قاب قوسين من الإنتهاء من وضع قراره الإتهامي، بعدما بات يملك رواية كاملة لموضوع النيترات، ومن أين أتت وكيف دخلت إلى مرفأ بيروت وصولاً إلى لحظة الإنفجار المروع. أي إنّ القاضي طارق البيطار وخلافاً لكل ما قيل، بات يملك تصوراً كاملاً من المنشأ وصولاً إلى وقوع الكارثة، وهو سيستكمل ما تبقّى من استجواباته قبل أن يُصدر قراره الإتهامي، والذي من المرجح أن يكون في الرابع من آب المقبل في الذكرى الخامسة لحصول الكارثة. لكن ما لفت هو عدم تقديم الوفد الفرنسي أي مستندات تساعد في تقديم أدلة إضافية، بعدما كانت الوعود الفرنسية تتحدث عن وجود مستندات لدى باريس وسيتمّ تسليمها للقضاء اللبناني. من هنا وصف مصدر مطلع اجتماعات الوفد الفرنسي بالسيئة. وهذا ما فتح باب التحليلات السياسية حول الخلفيات الفعلية للقرار الفرنسي، وما إذا كان لذلك علاقة بالتشابكات السياسية الإقليمية الكبرى وتبادل الأوراق وتعزيز المواقع، أم أنّ له علاقة بحساسية الوضع الداخلي والذي لا يزال في مرحلة نقاهة دقيقة. وستكون محطة الرابع من آب بمثابة الإمتحان الكبير للسلطة الفتية القائمة. صحيح أنّه يستبعد حصول توقيفات قبل صدور القرار الاتهامي، لكن من البديهي التكهن بإصدار مذكرات توقيف بناءً على الوقائع التي سترد في السياق. هذا في وقت تبدو التشكيلات القضائية على قاب قوسين من الصدور. واللافت أنّ هذه التشكيلات ترتكز على الأسس نفسها للصيغة التي كان رفعها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود خلال العهد السابق، والتي رفض إصدارها الرئيس ميشال عون. بالتأكيد هنالك استبدال لعدد من الأسماء التي أصبحت في التقاعد أو أنّ ظروفها لم تعد ملائمة، لكن البنية الأساسية بقيت وفق المعايير نفسها.
وختاماً، فإنّ التقدّم الذي يسعى لبنان لإحرازه في ظل المرجعية السعودية والمساعدة الفرنسية وتحت المظلة الأميركية يبقى دقيقاً وحذراً، في انتظار الصفقة الإقليمية الكبرى عبر التفاهمات الأميركية والإيرانية، والتي ستشكّل حتماً كاسحة ما تبقّى من ألغام في لبنان. من هنا أهمية زيارة ترامب إلى المنطقة. المصدر :الجمهورية |