الثلاثاء 13 أيار 2025 08:12 ص

ترامب يُسقط من الرياض إتفاقيتَيْ "سايكس بيكو" و"يالطا"


* جنوبيات

يخضع العالم خلال العام 2025 لعملية إعادة تركيب وفقاً لهندسة يفرض قواعدها دون منازع اللاعب الأميركي الأقوى في العالم. يبدو أن  كل قواعد التحكم والسيطرة وتوجيه الصراعات وبناء أسّسها ـــــــــ سواء التي اعتمدت في تقسيم الشرق الأوسط بموجب إتّفاقية سايكس بيكو  عام 1916 أو تلك التي اعتمدت في مؤتمر يالطا في شباط/فبراير  1945 لتقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ غربية وسوفياتية ـــــــــ قد فقدت صلاحيتها وقدرتها على الإستمرار.
يمثل التحوّل الكبير الذي تشهده خرائط النفوذ في العالم ومنه منطقة الشرق الأوسط الفصل الأخير في ترسيم معالم العالم الجديد الذي سيفصح عنه الرئيس دومالد ترامب غداة وصوله اليوم الى الرياض. تسدل المرحلة الجديدة الستار على حقبة ابتدأت مع إطلاق الإسلام السياسي المتطرف في أفغانستان في العام 1979 تحت عنوان الجهاد ضد الإلحاد، وفي طهران مع وصول الثورة الإسلامية الى السلطة في العام نفسه تحت عنوان تصدير الثورة وفرضت تداعياتها على المنطقة. لقد أكدت مجريات تلك الحقبة إصرار  الغرب في حينه على إفقاد الدول الوليدة  في المنطقة كل مقومات المناعة الوطنية أو التماسك السياسي، وما الحروب الفاشلة والصراعات الداخلية المسلحة التي عاشتها تلك الدول ومنها الربيع العربي سوى تأكيد العزم الأميركي على إنهاء ما تبقى من معالم سايكس بيكو . وفي السياق عينه لا يمكن قراءة الحرب الأوكرانية الروسية وما آلت إليه من تداعيات إقتصادية مدمرة على الإقتصادات الأوروبية ومن استنزاف لقدراتها العسكرية سوى في إطار الضربة القاضية التي تسددها الولايات المتحدة  للشراكة الأميركية الأوروبية التي كرسها مؤتمر يالطا لصالح العالم الأميركي الجديد.
تعبّر زيارة ترامب الأولى إلى  المملكة العربية السعودية وهي الأولى له خارج الولايات المتحدة عن الموقع المتقدّم الذي تحتله المملكة في صياغة العالم الجديد. فبخلاف كل الموروث الذي يعود إلى بدايات القرن الماضي تعكس الزيارة وفقاً لـــ «سامويل وربيرغ»، المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، مدى الأهمية الاستراتيجية للسعودية التي ترى فيها الولايات المتحدة شريكاً محورياً، في الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والإستقرار الدوليين لا سيما بعد الأدوار التي أدتها المملكة في إطار المفاوضات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، ودورها في تهدئة الأوضاع في السودان واليمن والعراق وغزة ولبنان. هذا إلى جانب دورها في مواجهة السلوك الإيراني المزعزع للإستقرار وجهودها المستمرة في تعزيز  التنسيق بشأن التهديدات البحرية في البحر الأحمر وتأمين أسواق الطاقة العالمية.
تركيا بدورها شهدت بالأمس بوادر انتقال الى النظام الأميركي الجديد. فهي إذ تغادر مرحلة ما بعد سايكس بيكو عبر طيّ مرحلة الصراع المزمن مع الأكراد بعد اتّخاذ حزب العمال الكردستاني خلال مؤتمره الثاني عشر الذي عقد في 7-5 أيار/ مايو في شمال العراق بحل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء الكفاح المسلح، ووضع حد لنشاط التنظيم، فإنها تستعد لاستضافة لقاء بين الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الأوكراني «فلوديمير زيلنسكي» بدفع من الرئيس ترامب الذي حض الجانبين على اللقاء «من دون انتظار وقف إطلاق النار.»
وفي ما يؤكد على الوجه الجديد للولايات المتّحدة في المنطقة حيال الصراعات القائمة فوجئت إسرائيل بالأمس بتفاوض تجهله بين واشنطن وحركة حماس أفضى إلى الإفراج عن الأسير الأميركي الإسرائيلي «عيدان الكسندر»، وقد يؤدي إلى إحداث اختراق ملموس في مسار المفاوضات يمهد لإعادة ترتيب الوضع في غزة بما يفضي إلى انسحاب إسرائيل من القطاع ولا يتيح لحماس التهديد مستقبلاً. هذا الأسلوب الأميركي الجديد يؤكد على إقصاء الوكلاء  الذين دأبت الولايات المتحدة سابقاً على تكليفهم بمهام إقليمية، وهو ما حصل في التفاوض الأميركي مع الحوثيين لوقف استهداف الملاحة في البحر الأحمر وما تعتبره واشنطن بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرة الحوثيين على الإستقلال عن طهران والإلتزام بأمن البحر الأحمر .

تعيد الولايات المتحدة تعريف علاقاتها الدولية في ضوء المتغيّرات الإقتصادية ومعدلات النمو التي تشهدها دول المنطقة والتي تستوجب إعادة النظر في الكثير من المواقف السياسية  السابقة، وبالمقابل تعيش دول المنطقة التي أرهقها شن الحروب في إتجاهات مختلفة، كما تلك التي أغرتها أدوار إقليمية أُسندت لها خارج حدودها حالة من الإمتثال الطوعي للقواعد الجديدة والملاءمة مع المسار الجديد.
وفيما يبدو أن واشنطن التي أسقطت من جهة خيار العودة إلى حرب باردة جديدة مع القوى الصاعدة في العالم ، عازمة من جهة أخرى على إخضاع الصراعات في الشرق الأوسط المتعلقة بالحدود أو بطموح الأقليات في إقامة دول مستقلة لعملية إعادة تدوير في المرجل الأميركي. تسجل زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض إعلاناَ واضحاَ بإسقاط كل موروثات اتّفاقيتي سايكس بيكو ويالطا  ومقدّمة للإنطلاق نحو عالم جديد. 
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

المصدر :جريدة اللواء - العميد الركن خالد حماده