الجمعة 16 أيار 2025 21:28 م

ماذا يجري بين ترامب ونتنياهو؟


* عماد مرمل

تمرّ العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مرحلة من البرودة اللافتة التي عكستها مجموعة وقائع متلاحقة، إنّما من دون أن يعني هذا الأمر أنّ الفروقات التكتيكية ستصبح افتراقاً استراتيجياً.

يمكن في سياق معاينة التباينات المستجدة بين الرجلَين التوقف عند المؤشرات الآتية:

- اتفاق ترامب مع حركة «أنصار الله» في اليمن على وقف إطلاق النار، بالتالي إنهاء العمليات العسكرية الأميركية التي كانت تستهدف المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيِّين، وذلك بمعزل عن تل أبيب التي وجدت أنّها بقيت وحيدة في مواجهة اليمن، بعدما كانت واشنطن شريكة استراتيجية لها في هذه المواجهة.

وهكذا يكون ترامب قد فصل بين المسارَين عندما تبيّن له أنّ مصلحة بلاده تقتضي تعليق الضربات العسكرية، تاركاً الجانب الإسرائيلي يتدبّر أمره بنفسه في جبهة تبعُد عنه آلاف الأميال، للردّ على الصواريخ اليمنية التي تستهدف فلسطين المحتلة.

- الإشارة الثانية إلى تبايُن ترامب ونتنياهو، تمثلت في خوض الإدارة الأميركية مفاوضات مباشرة مع حركة «حماس»، وصولاً إلى عقد صفقة منفردة معها قضت بإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي لديها، الذي يحمل الجنسية الإميركية، في بادرة حسن نية تلقفها ترامب، موحياً عبر انفتاحه على «حماس» بأنّه يعترف بها، فيما كان بنيامين نتنياهو خارج الصورة والموجة كلياً، الأمر الذي دفع أوساطاً إسرائيلية إلى اعتبار ما جرى إهانة له. كذلك، بات ترامب يدفع نحو إنهاء الحرب على غزة، بينما يرفض نتنياهو ذلك، مبدياً الاستعداد للقبول بهدنة موقتة ليس أكثر.

- من العلامات الأخرى التي تدل إلى اتساع المسافة بين ترامب ونتنياهو، اللقاء التاريخي الذي عقده الأول مع الرئيس السوري أحمد الشرع في حضور ولي العهد السعودي في الرياض، على وقع الإعلان عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بغية إعطائها فرصة جديدة وفق الرئيس الأميركي، الأمر الذي لا ينسجم مع حسابات رئيس حكومة الاحتلال الذي يعتمد سياسة استنزاف الإدارة الجديدة في دمشق وإضعافها، سواء عبر الاعتداءات العسكرية وقضم الأراضي، أو عبر اللعب على وتر الفتنة الطائفية واختراق النسيج السوري من خلال التبرّع بحماية المكوّن الدرزي.

- علامة إضافية تعكس تفاوت المقاربات بين الحليفَين، تكمن في إطلاق ترامب مسار المفاوضات مع إيران حول مشروعها النووي بغية التوصّل إلى تسوية سلمية في هذا الشأن، في حين كان نتنياهو، ولا يزال، يُحبّذ اعتماد خيار الحسم العسكري ضدّ طهران.

لكن مهلاً، لا يجب أن تُفضي هذه الخلافات الطارئة إلى استنتاج متسرّع بأنّ هناك أزمة عميقة أو بنيَوية تضرب علاقة الولايات المتحدة بالكيان الإسرائيلي، بل ينبغي الإلتفات إلى أنّ مآخذ ترامب هي على بعض سياسات نتنياهو حصراً، أمّا العلاقة بـ»إسرائيل» في حدّ ذاتها فهي راسخة ومتجذّرة، والإلتزام الأميركي بها نابع من ثوابت الدولة العميقة، ولا يرتبط بالموقف حيال الأشخاص أياً كانوا.

إلى جانب ذلك، فإنّ الخلاف المفترض بين ترامب ونتنياهو ليس حَول الأهداف بل حَول وسائل تحقيقها، إذ إنّ كلاهما متفق على:

- هندسة شرق أوسط جديد يخضع للنفوذ الأميركي والإسرائيلي.

- نزع سلاح حركات المقاومة في المنطقة، خصوصاً «حزب الله» وحركة «حماس».

- استكمال مسار تطبيع الدول العربية مع تل أبيب تحت مظلة الاتفاقات الإبراهيمية.

- إضعاف إيران ومنعها من اكتساب «مخالب» نووية.

لكن يبقى أنّ لكل من ترامب ونتنياهو مقاربته لطريقة تحقيق هذه الأهداف، فالأول يُفضّل التلويح بالقوة للضغط على الآخرين، فيما الثاني يُصرّ على استخدامها لإخضاعهم، وإذا لم تُعطِ نتائج فورية فهو مع استعمال مزيد منها. كذلك، يبدو ترامب براغماتياً في سلوكه، وميّالاً إلى اختصار المراحل للوصول إلى مبتغاه، مغلّباً بطبيعته كرجل أعمال الحسابات الإقتصادية والصفقات الرابحة على المعايير المبدئية والسياسات العقائدية، في حين يبدو نتتياهو محكوماً بعقدة 7 أكتوبر ومسكوناً بهواجس وجودية وإيديولوجية، تأخذه إلى الخيارات القصوى التي غالباً ما ترتطم بحقائق غير مؤاتية له على أرض الواقع.

المصدر :الجمهورية