![]() |
الأربعاء 21 أيار 2025 10:42 ص |
هكذا حاول "الموساد" خطف جثة كوهين من دمشق |
* جنوبيات
منذ إعدامه في 18 أيار 1965 سعت إسرائيل لاستعادة رفات الجاسوس إيلي كوهين بكل الوسائل بعدما أصبح قضية قومية. ولكنّها فشلت في تحقيق هذا الهدف. رفضُ تسليم الجثة بقي قرار كل أنظمة حزب البعث التي تعاقبت على حكم دمشق، من أمين الحافظ، إلى صلاح جديد، إلى حافظ الأسد ثم بشار. بعد ستين عاماً وبعد انهيار النظام فاجأت إسرائيل العالم بخبر استعادة وثائق ملف إعدام كوهين. فهل ستنجح هذه المرة في استعادة الرفات؟ يقول الخبر إن إسرائيل أعادت في عملية سرية أرشيفاً سورياً كاملاً بعد 60 عاماً من إعدام الجاسوس إيلي كوهين في دمشق، ويشمل الأرشيف الملف القضائي وجوازات سفر، ووصية أخيرة، ورسائل بما يقارب 2500 وثيقة. هذا الأرشيف السوري المتعلق بإيلي كوهين قيل في الخبر الذي وزعه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الموساد الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز شريك إستراتيجي، حصل عليه بعملية استخباراتية معقدة وصفت بأنّها إنجاز تاريخي، من سلسلة الإنجازات المماثلة التي حققها هذا الجهاز ولم يكن آخرها اختراق "حزب الله" واغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله وصفّ القيادة وتفجيرات أجهزة البيجر. وتزامن الإعلان عن هذا الإنجاز مع الذكرى الستين لإعدام كوهين وجاء خلال حفل قدّم فيه نتنياهو ومدير الموساد ديفيد برنياع المواد إلى أرملة كوهين، ناديا. وأكد مكتب نتنياهو أن الوثائق تُشكّل مجتمعةً كامل أرشيف الاستخبارات السورية الخاص بكوهين. إنجاز تاريخي للموساد؟ بحسب الصور القليلة التي سربها الموساد الإسرائيلي عن بعض الوثائق والحقيبة الموضوعة فيها يظهر أنها ربما قد لا تكون عملية استخباراتية وإنجازاً تاريخياً، إنما يمكن أن يكون تم الحصول عليها من خلال عملية تسليم رسمية لم يعلن عن تفاصيلها وأعطيت هذا الوصف الاستخباري حتى لا يتم الكشف عن حقيقة ما حصل، والدور الذي يمكن أن تكون لعبته قوى في السلطة الجديدة، في سوريا مباشرة أو بواسطة الروس. وهذا ما أشارت إليه وكالة رويترز عندما نسبت إلى ثلاثة مصادر "إن القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل في محاولة لتخفيف حدة التوتر وإظهار حسن النوايا للرئيس الأميركي دونالد ترامب". الكثير من الوثائق التي قيل إنها اكتُشفت من خلال هذه العملية معروف ومتداول، خصوصاً الرسالة التي كتبها كوهين كوصيته الأخيرة قبل تنفيذ حكم الإعدام ووجَّهها إلى عائلته وزوجته التي أوصاها بأن تتزوج وتهتم بالأولاد حتى لا يعيشوا من دون أب. ولكن الزوجة لم تعمل بموجب الوصية ولم تتزوج. بحسب الصور المسرّبة يظهر أنّ الوثائق حُفظت بشكل جيّد. وعلى رغم توالي أكثر من حكم في دمشق وحصول أكثر من انقلاب عسكري تبدّلت معه أجهزة المخابرات والمسؤولين عنها، فقد بقيت محفوظة. وقد سعت إسرائيل للحصول على هذه الوثائق بطرقها الخاصة منذ تنفيذ حكم الإعدام بكوهين، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل. وهي لم تكن تسعى وراء هذه الوثائق فقط بل كان تركيزها منصبّاً على استعادة رفات كوهين. وقد حاولت سرقتها بعملية أمنية خاصة بعد شهر على إعدامه ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. قد تكون إسرائيل اطلعت على الوثائق الموجودة في الملف وقد تكون انتظرت سقوط نظام الأسد لتحصل عليها وتستعيد الرفات. وربما قد فاوضت الأسد قبل فراره بواسطة الروس من أجل ذلك. وربما هذه الوساطة هي التي أمنت الحصول على ساعة كوهين في تموز 2018 ونقلها إلى إسرائيل حيث سلّمها نتنياهو إلى زوجته، واعتبر الأمر وقتها أيضا أنّه إنجاز تاريخي. وإذا كان احتفاظ المخابرات السورية بهذا الملف إنجازاً بحدّ ذاته فإن السؤال الذي يطرح بعد الكشف في إسرائيل عن الحصول على الملف، يدور حول من استطاع أن ينقذ هذا الملف من الفوضى التي حصلت في سوريا بعد فرار الأسد وسقوط النظام، واستباحة مقرات الأمن والسجون وأجهزة الاستخبارات وقصور الرئاسة. فهل استطاع الموساد الإسرائيلي الذي تغلغل في سوريا قبل سقوط النظام، الوصول إلى هذه الوثائق وسرقتها ونقلها إلى إسرائيل وانتظر الإعلان عنها في ذكرى إعدام كوهين ليعطي للحدث صفة الإنجاز التاريخي؟ أم أن السلطة الجديدة هي التي حصلت على الوثائق، على رغم الفوضى التي أعقبت انهيار النظام السابق، كما ذكرت رويترز وسلمتها إلى إسرائيل؟ وهل كانت لديها معلومات عن مكان وجودها وعن أهميتها بالنسبة إلى إسرائيل؟ فالنظام السابق كان سباقا في هذا المجال. فبعد استعادة الساعة استطاعت إسرائيل في نيسان 2019، وعن طريق الروس، استعادة جثة زكريا باومل، أحد الجنود الذين أُسروا في معركة السلطان يعقوب عام 1982 في لبنان، قبل استعادة رفات الجندي الثالث تسفي فيلدمان في 11 أيار الحالي. ساحة المرجة وتنفيذ الحكم منتصف ليل 18 أيار 1965 اقتادت قوة من المخابرات السورية حاخام اليهود في دمشق نسيم أندبو إلى مبنى الشرطة العسكرية وأدخلوه إلى مكتب آمر السجن، الذي أخبر الحاخام أن حكم الإعدام الذي صدر ضد الجاسوس إيلي كوهين سينفّذ خلال ساعات. كان الحاخام الذي قارب التسعين أحيط علماً بقرار الإعدام في الليلة السابقة، عندما اتصل مدير عام وزارة الداخلية العقيد عبد الكريم الجندي بالضابط المسؤول عن حارة اليهود وأمره بإحضاره، فاستقبله وأبلغه أن كوهين سيشنق عند الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي وحذره من إفشاء الخبر. وكانت لا تزال تعيش في الحي اليهودي نحو 300 عائلة يهودية تعاني من الملاحقات، وقد فرضت عليهم رقابة مشدّدة بعد اعتقال كوهين وأُجبِروا على عدم الخروج من الحارة إلا بإذن من المخابرات. قبل إدخال الحاخام للقائه كان كوهين تبلّغ بدوره موعد تنفيذ الحكم وسئِل عن الكلام الأخير الذي يريد قوله قبل التنفيذ، فطلب كتابة رسالة إلى زوجته ناديا وأهله فسمح له بذلك ودوّنها باللغتين العربية والفرنسية، كما ورد في محضر تنفيذ الحكم الرسمي الذي كشفت إسرائيل أنّه من بين الوثائق التي حصلت عليها. هذه الرسالة كانت معروفة ومنشورة منذ يوم تنفيذ الحكم ولم يتم اكتشافها مع الوثائق. وقد تحدّثت معلومات صحافية بعد إعدامه عن رسائل أخرى قيل إنّه وجّهها بعد اعتقاله إلى أهله وزوجته وأولاده، وفيها أنّه قام بمهمته التجسسية تحت الضغط لأنّه لم يكن لديه عمل آخر وطلب منهم مغادرة إسرائيل. ويظهر أن هذه الرسائل كُتبت تحت الضغط وبطلب من المحققين. تلا المقدم صلاح الدين الضللي، رئيس المحكمة العسكرية الاستثنائية، على كوهين والحاخام قرار الإعدام وسمح للأخير بالبقاء معه دقائق قليلة بحضوره والعسكريين المرافقين له. قال الحاخام لكوهين إنها إرادة الله ويجب أن يقابلها بالرضى. ووضع رقيب الأغلال بيدي كوهين بعدما وضعهما وراء ظهره واقتيد سيراً على الأقدام لتنفيذ الحكم في ساحة المرجة وسط تدابير أمنية مشددة، خوفاً من عملية إسرائيلية لإنقاذه. وعندما وصل الموكب اقتاده الجلاد أبو سليمان محمد ناصر إلى منصة الإعدام ونفذ الحكم وكانت الساعة الرابعة فجراً، وللمرة الأولى دعيت وسائل الإعلام لتغطية العملية وتصويرها. العاشرة صباحاً أُنزلت الجثة لإجراء الفحوص عليها وبينما كان التلفزيون السوري يعرض أفلاماً عن الإجراءات مع مارشات عسكرية، قام ضابط من المكتب الثاني مع قوى الأمن بمراقبة إجراءات الدفن في وقت لاحق من ذلك النهار في المقبرة اليهودية التي تقع إلى الجنوب الشرقي من حارة اليهود، حيث كان الحاخام أندبو وعدد قليل من اليهود يقيمون صلوات الحزن، وكان القرار أن يبقى مكان الدفن سرّياً. لم تستطع إسرائيل أن تمنع إعدام كوهين. ولكنّها سعت إلى استعادة جثته منذ اليوم الذي أُعدم فيه. ولكن السلطات السورية رفضت بشكل قاطع. استمرّ الرفض واستمرت المحاولات. كانت مسألة إسرائيلية سيادية بامتياز. أربعة رجال في المقبرة اليهودية عندما ظهر أن الدبلوماسية فشلت لجأت إسرائيل إلى الخيارات البوليسية لاستعادة الجثة. فعلى رغم عدم مضي أكثر من شهر على إعدام كوهين واختراق الموساد للدولة السورية، كان عملاء الموساد الآخرون لا يزالون ينشطون في دمشق واستطاعوا أن يحدّدوا القبر الذي دُفن فيه كوهين، واستطاع أربعة منهم في ليل 21 حزيران 1965 التسلل إلى مقبرة اليهود في دمشق وفتحوا القبر وأخرجوا الصندوق الخشبي وفيه الجثة وحملوه إلى الطريق بالتعاون مع شريك خامس، ووضعوه في شاحنة صغيرة وتوجّهوا نحو الحدود اللبنانية السورية في منطقة جديدة يابوس وجرد الزبداني، لكي يعبروا سيراً لتلافي المرور على المعابر الرسمية. أخرج الرجال الأربعة الجثة من الصندوق وحملوها ومشوا نحو الحدود. كانت الخطة تقضي بوجود شاحنة تنتظرهم على الطرف الآخر، في منطقة عنجر في لبنان. الكلب الذي كشف العملية ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان. جذبت رائحة الجثّة المتحلّلة أحد الكلاب فأخذ ينبح فاستيقظ الراعي النائم قرب قطيعه. اعتقد أنّها عملية تهريب فاستدعى دورية سورية من حرس الحدود وعندما شعر الرجال الأربعة باقتراب الجنود منهم أخذوا يركضون ولكن خوفاً من القبض عليهم تركوا الجثة وهربوا إلى داخل الحدود اللبنانية. نقل الجنود الجثة إلى مخفر الشرطة في الزبداني، ولما عجزوا عن حلّ اللغز تم الاتصال بالمخابرات فحضر محققون وتعرّفوا على جثة إيلي كوهين وأوقفوا الحاخام أندبو وحارس المقبرة، ولكن أُخلي سبيلهما لعدم ثبوت تورّطهما في العملية. أحاطت السلطات السورية هذا العمل بالسرية ولم تعلن عنه. وكان السبب في دفن الجثة في مكان سرّي لم يُعلن عنه وتحوّل إلى لغز سعت إسرائيل على مدى الأعوام اللاحقة إلى حلّه من دون نتيجة. بعد حرب حزيران 1967 اعتقل الإسرائيليون 591 سورياً ولم يكن لدى دمشق سوى طيار إسرائيلي واحد جريح وجثتي آخرين ومدني مات في السجن. فوافقت إسرائيل على تبادل السجناء وأصرت على استلام جثة إيلي كوهين غير أن سوريا أصرت على عدم تسليم الجثة. فقبلت بالشروط التي وضعتها دمشق لإنقاذ الطيار الجريح. المصدر :نجم الهاشم - نداء الوطن |