![]() |
الثلاثاء 3 حزيران 2025 08:46 ص |
أطفال غزة... الخوف والفقد يخلفان أمراضاً جسدية ونفسية |
![]() |
* جنوبيات أسهمت نوبات الخوف في شيوع أمراض عدة بين أطفال قطاع غزة، بعضها حيرت الأطباء، بينما تتفاقم الأوضاع النفسية للأطفال نتيجة تزامن القلق مع الفقد، مخلفة تغيرات جسدية ومضاعفات مرضية. لم يعتد أطفال غزة على أصوات القصف الإسرائيلي، فحين يسقط صاروخ جديد، يبدو كأنهم يسمعون الصوت لأول مرة. يستيقظون بفزع، ويصرخون، ويركضون إلى أحضان ذويهم.
ووفق دراسة أجراها مركز غزة للصحة النفسية أخيراً، حول تأثير الحرب على تزايد حالات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة لدى النازحين، أظهرت النتائج أنّ 70% من عينة الدراسة لديهم الأعراض مجتمعة، و8% فقط لديهم نوع واحد من الاضطرابات.
تقول والدتها لـ "العربي الجديد": "أعطيناها العلاج، لكني لاحظت أن البقع البيضاء بدأت تتزايد مع شعورها المستمر بالخوف منذ تعرض بيت جيراننا للقصف. عدنا إلى الطبيب بعد تزايد البقع البيضاء، فأكد إصابتها بمرض البهاق، وأنّ ذلك سببه شدة الخوف، وأخبرني أنه يمكن علاجها بواسطة أشعة الليزر، لكنّ هذا العلاج غير متوفر حالياً في غزة".
أدت تداعيات الحرب إلى ظهور أمراض غريبة لدى أطفال غزة بعد اختفاء والدها الذي كان بمثابة صديقها الوحيد الذي تلهو معه إلى جانب دور أمها في علاجها، دخلت ملك في حالة من الحزن الشديد، تعبر عنها بالصراخ في ظل صعوبة النطق، كلما رأت صورته المعلقة على جدار إحدى غرف المنزل، ثم ظهرت بثور على الجلد، مع شكوك حول إصابتها بالسرطان، لتطلق الأسرة مناشدة عاجلة لسفرها للعلاج في الخارج. تحكي والدتها منى شحادة لـ "العربي الجديد: "حالة ابنتي تفاقمت بعد استشهاد والدها، إذ ظهرت دمامل في الكبد، وجرى استئصال الطحال بسببها، مع تقدير الأطباء بنسبة 80% إصابتها بسرطان الدم. تتناول ملك يومياً علاجاً لثلاثة أمراض ظهرت بعد استشهاد والدها، وغير معروف سببها لأنه لا يوجد مختبرات في غزة، وتظهر الفحوص التي تجريها بشكل أسبوعي، تراجعاً في وظائف الجسم، كما أن نسبة كرات الدم البيضاء وصلت إلى نحو 60 ألفاً، رغم أن المعدل الطبيعي هو خمسة آلاف". تربط الأم كل تلك المضاعفات بالخوف، وتقول: "عندما يسقط الصاروخ تبدأ بالصراخ، ومنذ استشهاد والدها تغيرت حياتها، وساءت حالتها الصحية، إذ كان يلعب معها، ويخرجها للتنزه، ويحضر لها ما تحبه، ولم تكن تعاني إلا طيف التوحد، والآن اجتمعت عليها عدة أمراض. يفترض أن يتجاوز وزنها 30 كيلوغراماً، إلا أن وزنها لا يتجاوز 15 كيلوغراماً، ونتمنى سفرها للعلاج في الخارج قبل أن تسوء حالتها". في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2024، استشهد والدا الطفل جود صالح أبو صالح (4 سنوات)، ونجا هو بأعجوبة من مجزرة دامية، لكنه لم ينجُ من تداعيات الصدمة التي لاتزال تلاحقه. تروي خالته مها أبو صبحة، والتي تسهر على رعايته، لـ"العربي الجديد": "نزح جود مع والديه إلى بيتنا بعد قصف منزلهم، وفي يوم المجزرة كان يوجد معهما، وكانت تجلس معهم شقيقتي، وقبل دقائق من القصف، جاء لينام عندي كونه اعتاد على ذلك منذ ولادته، فهو يعتبرني أمه الثانية". تضيف: "استشهدت شقيقتاي ووالده في القصف الذي خلف انفجاراً كبيراً، ونجوت مع بقية أفراد عائلتي والطفل جود، لكنه شاهد طواقم الإسعاف ينتشلون جثتي والديه من تحت الردم، ويلفانهما بالأغطية، وعاش لحظات الجنازة والوداع، ومراسم الدفن، ما ترك بقلبه ندوباً مؤلمة، وحزناً يعبر عنه بالصراخ والسلوك العصبي. كونه الابن الوحيد لوالديه، زاد تعلقه بي بعد رحيلهما، وبات يخاف من اقتراب أي شخص منه، ويخشى دخول دورة المياه إلا بمرافقتي، ويخاف من صوت طرق الباب، ويذكره صوت القصف بوالديه. لمدة شهر كامل كان يستيقظ من نومه ليصرخ، وكنت أضمه وأقوم بتهدئته، ربما يرى كوابيس في منامه".
تتابع الخالة: "عندما أخذته عائلة والده، اشتد عليه الحزن، فأعادوه إلي، وأصبحنا نذهب إلى قبر والديه، وهو يحب ارتداء ملابس جميلة خلال زيارته لقبريهما، معتقداً أن ذلك سيجعلهما سعيدين. أحضرنا له مختصة نفسية، وقامت بعمل جلسات تفريغ، تشمل اللعب معه، ومشاركته الرسم والتلوين وتركيب الألعاب، وكوني أعمل مدرسة جعلني أستخدم وسائل متعددة لتغيير مزاجه النفسي".
أثارت حالة رهف الرأي العام في غزة، ورغم إجراء تحاليل وفحوص لتشخيص مرضها، إلا أن الأطباء عجزوا عن تحديد نوع المرض نتيجة عدم وجود مختبرات متقدمة، ما استدعى تحويلها إلى العلاج خارج غزة، بعد أن أفقدها المرض القدرة على المشي. تقول مديرة المراكز المجتمعية في برنامج غزة للصحة النفسية، الطبيبة آمال أبو عبادة، لـ "العربي الجديد"، إن "الخوف رد فعل طبيعي لمواجهة الأمور التي يعيشها الإنسان، ويكون للخوف جانب جسدي وآخر نفسي من حيث الأعراض، فيشعر الشخص بأعراض متباينة، من بينها زيادة ضربات القلب، أو التعرق، وإذا أصبح الخوف متكرراً، يمكن أن يعاني الشخص اضطراب القلق، وقد يصبح مزمناً، ويصاحب ذلك تغير في هرمونات الجسم، كزيادة الأدرنالين، ما يؤدي إلى تغيرات في الجسم". وتضيف أبو عبادة: "الخوف يصاحبه أشكال من التوتر والتفكير المضطرب، ولو أصيب الإنسان بالبهاق وكانت أوضاعه النفسية مستقرة، فإن نوبات القلق تكون قليلة أيضاً، ومع زيادة الخوف يتفاقم المرض وتزيد الأعراض، وهذا الأمر ينطبق كذلك على مرضى السرطان، إذ تختلف درجة انتشار المرض وفقاً للصحة النفسية، وكلما زاد القلق تفاقم المرض، وأصبحت السيطرة على الحالة أصعب. أثرت الحرب على الجميع في قطاع غزة، وزادت حالات اضطرابات ما بعد الصدمة، واضطرابات النوم بين مختلف الأعمار، خاصة الفئات الهشة كالأطفال، فهم لا يستطيعون الانفصال عن الوضع القائم". المصدر :االعربي الجديد |