الأربعاء 9 آذار 2016 05:42 ص

أول عمـليـة ترميم للصمام الأبهر فـي لبنان أُجريت على يد هذا الـطبيب


أول من قام بجراحة ترميم "الصمام الأبهر" في أوروبا كان البروفيسور اللبناني جبرين الخوري المقيم في بلجيكا وذلك منذ 25 عاماً، وهو صاحب نظرية ترميم الصمام بدل استبداله. أما في لبنان فأُجريت هذه العملية للمرة الأولى في العام 2008 على يد الطبيب اللبناني فراس خليل البيطار العائد من بلجيكا والذي تعلم وعمل مع البروفيسور جبرين الخوري… تجدر الاشارة الى ان للقلب أربعة صمامات تفتح وتغلق بالتناوب للحفاظ على جريان الدم بالاتجاه الصحيح. "الصمام الأبهر" او "الأورطي" موجود بين مخرج البطين الأيسر وبين بداية الشريان الأبهر، وان هذا الصمام مبني من ثلاث وريقات على شكل نصف قمر، ووظيفته السيطرة على جريان الدم الغني بالاوكسجين من البطين الايسر الى داخل الشريان الأبهر (الشريان الرئيسي في جسم الانسان). ينفتح "الصمام الأبهر" مع انقباض البطين الأيسر ويسمح للدم بالتدفق الى داخل الشريان الأبهر. ينغلق "الصمام الأبهر" بالتزامن مع انتهاء النبضة لمنع عودة تدفق الدم المعاكس باتجاه البطين الأيسر. وهناك سببان أساسيان يؤديان الى تضرر الاداء السليم للصمام: أولاً التضيق أي الضرر في قدرة الصمام على ان يفتح بطريقة سليمة، الأمر الذي يضر بقدرة الدم على الجريان من خلال الصمام، مما يسمح لكمية صغيرة فقط من الدم من التدفق عبره، وبالتالي يعرض القلب للقيام بمجهود اضافي من اجل ضخ الدم لكافة أعضاء الجسم. وثانياً قصور الصمام أي حين لا ينغلق الصمام بشكل صحيح قد يتسرب الدم عائداً الى داخل البطين الأيسر، وإذا كان التسرب كبيراً عندها فإن كمية صغيرة من الدم ستجري في الاتجاه الصحيح، ونتيجة لذلك يجب على القلب العمل بجهد اضافي للمحافظة على تزويد دم منتظم لكل الجسم، وستكبر أبعاد البطين الأيسر مع مرور الوقت، وينشأ ضرر في قدرة القلب على العمل كمضخة وفي قدرته على الانقباض بصورة سليمة.

وبالنسبة لطريقة ترميم "الصمام الأبهر" فهي تعتمد على اعادة الوضع الطبيعي للصمام الأبهر وهندسته، وهذا بحسب حالة كل مريض وخاصية تكوينه الخلقي. ومن أهم هذه المراحل، أولاً: اعادة التركيب الصحيح لشفرات الصمام ومستوى ارتفاعها نسبة للشريان الأبهر. ثانياً: القيام بتجميل هذه الشفرات واعادة الليونة اليها. ثالثاً: ارجاع الحجم الملائم لخاتم الصمام. ومن حسنات ترميم الصمام ان هذه الجراحة تخلو من سلبيات استبداله: أي عدم وجود اي جسم غريب، المحافظة على الأنسجة الذاتية، عدم تناول مسيلات الدم، التخفيف من الالتهابات في القلب، ممارسة حياة طبيعية دون تقييدها (جميع انواع الرياضة).

الدكتور البيطار و"الصمام الأبهر"

ولقد استطاع الطبيب فراس خليل البيطار الاختصاصي في جراحة القلب والصدر والشرايين العائد من بلجيكا بعدما اكتسب المعرفة والخبرة في مجال جراحة ترميم "الصمام الأبهر" من اجراء اول جراحة جديدة في ترميم "الصمام الأبهر" بدل استبداله في لبنان وذلك في العام 2008، وهو رئيس قسم جراحة القلب في مستشفى حمود الجامعي… ففي شهر آب (أغسطس) 2008 جرت في مستشفى حمود الجامعي في صيدا اول عملية ترميم للـ"صمام الأبهر" في لبنان، ففي ذلك اليوم وصل مريض في العشرين من عمره الى المستشفى في حالة طارئة وخطيرة، وهو يعاني تسلخاً في الشريان الأبهر وترويحاً في "الصمام الأبهر" بدرجة 4/4، وهي من أكثر الحالات المرضية تعقيداً وأصعبها وقد تودي بحياة المريض بسرعة، لكن الشاب خضع على يد الدكتور فراس خليل البيطار لعملية الترميم التي تكللت بالنجاح، ولقد أجرى هذه العملية للمرة الأولى في لبنان بحضور البروفيسور جبرين الخوري صاحب نظرية ترميم "الصمام الأبهر" بدل استبداله، وهو أول من أجرى هذا النوع من الجراحة في أوروبا قبل 25 سنة. ولقد نجحت العملية واصبح الشاب بصحة جيدة، ولقد أجرى الدكتور فراس البيطار العملية نفسها لمريضين آخرين وهما يتمتعان بصحة جيدة، وكان الدكتور البيطار قد أعلن آنذاك ان اجراء هذا النوع من الجراحة للمرة الأولى في لبنان والعالم العربي بات ممكناً، واعتبر انه لا بد من التوقف في هذا الاطار على الجهوزية اللوجستية التي يقدمها مستشفى حمود الذي يحتل منذ سنوات المركز الأول في لبنان في عدد العمليات الجراحية للقلب والشرايين. بالنسبة للدكتور فراس البيطار فالصمامات البديلة نوعان: الأول معدني ويفرض وجوده على المريض تناول مسيلات الدم طوال حياته مع جميع الآثار الجانبية لهذه الأدوية، من ازدياد حالات النف في حال التعرض لاصابة والتأثير السلبي على وظائف بيولوجية أساسية، والثاني عبارة عن صمامات بيولوجية تُؤخذ من حيوان او من متبرع بشري، وهي متشابهة من حيث الحاجة الى تغييرها بسبب تعرضها للتكلس الذي يؤدي الى التضيق خلال عشر سنوات اذا كان المريض بين الثلاثين والأربعين من العمر، وخلال عشرين عاماً اذا كان المريض قد تخطى الستين من عمره. أما جراحة ترميم الصمام نفسها فانها تخلو من سلبيات الاستبدال، فلا حاجة الى تناول مسيلات الدم ولا يتعرض المريض الى جراحة دقيقة وصعبة أكثر من مرة.

فبأي الحالات يستوجب اجراء عملية ترميم "الصمام الأبهر"؟ وكيف تُجرى العملية؟ وما هي نسبة نجاحها؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها "الأفكار" على الدكتور فراس خليل البيطار الذي يعزو نجاح هذه العملية الى البروفيسور جبرين الخوري الطبيب اللبناني الذي يقيم في بلجيكا منذ سنوات طويلة، وهو كما ذكرنا سابقاً صاحب نظرية ترميم الصمام بدل استبداله، وهو أول طبيب أجرى جراحة ترميم "الصمام الأبهر" في أوروبا منذ 25عاماً، وفي ذلك يقول:

- يعود الفضل لأستاذي البروفيسور جبرين الخوري الذي ابتكر هذه التقنية، وهو من أهم أطباء القلب اذ تعلمت منه وعملت معه في بلجيكا، واكتسبت الخبرة وقررت العودة الى الوطن لأقدّم ما تعلمته، كنت قد قررت العودة الى لبنان في العام 2006 وبعد حرب تموز 2006 أصريت ان أعود أكثر من قبل، وعندما عدت عُرض علي العمل في مستشفيات عديدة وتلقيت عرضاً للعمل في مستشفى حمود، وبالفعل بدأت أجري العمليات في هذا المستشفى، كما ان الدكتور جبرين الخوري نصحني بالعمل في مستشفى جامعي مثل مستشفى حمود.

عملية ترميم "الصمام الأبهر"

ــ بأي الحالات يستوجب اجراء عملية ترميم "الصمام الأبهر"؟

- يحتاج المريض لهذه العملية إذا كان يعاني من قصور في "الصمام الأبهر"، فهناك أناس يكون لديهم قصور في الصمام حيث لا ينغلق الصمام بطريقة صحيحة. ان "الصمام الأبهر" هو الباب الرئيسي للقلب على كل الجسم لكي يضخ الدم من خلاله لكل أنحاء جسم الانسان، وبعدما يُفتح الصمام يضخ ومن ثم ينغلق، واذا لم يحصل الأمر على هذا النحو فسيتسرب الدم الى الوراء اي الى القلب. وفي بعض الحالات تكون هناك مسببات أخرى اذ ممكن ان تكون هناك تشوهات خلقية.

ويتابع:

- الصمام عبارة عن ثلاث شفرات ينغلق ويضخ لكي يوفر مجرى الدم، والتشوه الخلقي يؤدي لتسكير او انغلاق هذه الشفرات الثلاث. هناك أناس بدل ان يكون لديهم ثلاث شفرات يكون لديهم شفرتان وربما يتعرضون لقصور في "الصمام الأبهر" فيؤدي ذلك الى توسع وتضخم في الشريان الأبهر.

تقنية البروفيسور جبرين الخوري

ــ هلا شرحت لنا التقنية التي قام بتطويرها البروفيسور اللبناني جبرين الخوري؟

- البروفيسور جبرين الخوري هو الذي قام بتطوير تقنية اصلاح الصمامات، وهو يُعدّ رائد جراحتها في العالم، وهذه التقنية كان قد ابتكرها الطبيب البريطاني من اصل مصري مجدي يعقوب في أحد المستشفيات في لندن، وقد قام البروفيسور الخوري بمتابعة هذه التقنية ودراستها وتطويرها وترتيبها، وعمل أنواعاً لها تصل الى أربعة أنواع منذ 1994 ــ 1995 والتي قامت على اصلاح تنفيس صمام الأبهري، لكي لا يعود الدم المضخ من القلب للجسم بطريقة عكسية للقلب، وبالتالي يتسبب في مشاكل صحية للقلب بسبب عطل في الصمام او ما يُعرف بالتنفيس. وكان قد بين البروفيسور الخوري ان تقنية اصلاح الصمامات أفضل بكثير من استبدالها بالصمام الحيواني، وتغنيه عن أدوية السيلان التي كان يستخدمها وتعود بالخطورة على حياة المريض. مع العلم ان الدكتور "تايرون ديفيد" من "تورنتو" كان قد أعلن انه اذا كان "الصمام الأبهر" جيداً ونريد ان نغيره سنحاول ان نحافظ عليه، أما البروفيسور جبرين الخوري قال انه حتى لو حدث قصور في "الصمام الأبهر" فسأحافظ عليه. وكنت محظوظاً انني تعلمت وعملت مع البروفيسور الطبيب اللبناني البارع جبرين الخوري.

المضاعفات

ــ وهل يمكن ان تحدث مضاعفات بعد العملية؟

- بالمبدأ نحن نقوم بهذه العملية و93 بالمئة من المرضى الذين نجري لهم العملية يظل "الصمام الأبهر" لديهم بوضع جيد لمدة عشر سنوات. واذا قمنا بتركيب صمام معدني، فتبين الدراسات ان 35 بالمئة من المرضى يموتون بعد عشر سنوات.

الصمام المعدني

ــ وما هي أنواع الصمامات التي تُستخدم في العملية؟

- لدينا خياران: اما صمام معدني او صمام حيواني. اذا كان الصمام معدنياً، على المريض ان يتناول دواءً مسيّلاً للدم، وهذا الدواء يتطلب ان يعيش المريض حياته بحذر اذ لا يقدر ان يقوم ببعض الأمور بدون ان يتناول الدواء، وطبعاً عليه ان يخضع لفحوصات دم مرة في الشهر، ويختلف الدواء حسب الطعام إذ ممكن ان ترتفع نسبة السيلان حسب الطعام او الطقس او البلد، ولهذا استعمال الدواء ضروري. واذا كانت امرأة تتناول هذا الدواء، فعليها ان تكون حذرة اذا ارادت ان تنجب طفلاً لأنه يسبب تشوهاً خلقياً، ولهذا عليها ان تتنبه لهذه الأمور. وبالنسبة للأشخاص الذين يزاولون رياضة الغطس او رياضة القفز بالمظلات فلا يقدرون ان يتناولوا هذا الدواء لأنه يسبب لهم النزيف. ان الصمام المعدني هو جسم غريب في القلب وممكن ان يحدث التهابات، وطالما هو الباب ("الصمام الأبهر") فاذا مرّ الدم سيتجمع على المفاصل وممكن ان يكون عرضة للالتهابات.

الصمام الحيواني

ــ وماذا عن الصمام الحيواني؟

- الخيار الثاني هو الصمام الحيواني، وهو مصنوع من الخنزير او البقر او حتى من جسم الانسان، وهذا الصمام لا يحتاج لدواء مسيّل للدم، لكن مشكلة هذا الصمام هي حسب الاعمار، فاذا كان الشخص عمره 30 سنة يدوم هذا الصمام 5 او 6 سنوات ولكن يحتاج لتغيير الصمام مجدداً، واذا كان المريض بعمر الخمسين فربما يدوم الصمام لعشر سنوات لأن ضغط الدم يكون مرتفعاً، أما الأشخاص الذين يبلغون السبعين من العمر فنضع لهم صماماً حيوانياً.

ثلاث عمليات في آن واحد

ــ لقد أجريت منذ أيام عملية غاية في الصعوبة، فهلا شرحت لنا الحالة وكيف أُجريت؟

- الحالة التي عاينتها منذ أيام في مستشفى حمود كانت صعبة وتتطلب الدقة والحذر، اذ كان هناك خطورة أولاً لان المريض في الخامسة والسبعين من عمره وهو مريض بالقلب منذ ستة أشهر، وكان قلبه مزوداً بالبطارية ولقد تم تغيير تلك البطارية مرتين، بالاضافة الى شرائط كهرباء اذ لا يقدر ان يعيش بدون بطارية، ولكن منذ ستة أشهر تعرض لجلطة في الرأس واضطر ان يتناول الدواء وربما التقط ميكروباً، وانتقل الميكروب الى الشريط وأصبح القلب حساساً أكثر. وعندما نُقل الى المستشفى كان وضعه صعباً لأنه كان مصاباً بالتهابات في الدم، ولديه كتلة متحركة في القلب، وهذه الكتلة كنا نخشى ان تفلت منه وتؤدي لجلطة ومن ثم الى الوفاة. ولقد تطلبت هذه العملية الحذر اذ كان هناك التهابات وأشرطة وبطارية القلب، وفي الوقت نفسه كان علينا ان نقوم بترميم الصمام، وكان الشريان على امتداد 80 بالمئة، فعملنا على زرع هذا الشريان ووضع البطارية من الخارج وليس من الداخل. وبالتالي فقد أُجريت ثلاث عمليات في آن واحد لأنه كان هناك التهاب في القلب من الجهة اليمنى، وهذه العمليات هي: أولاً انتزاع الجسم المصاب بالالتهاب في القلب من الجهة اليمنى، ثانياً: ترميم الصمام الأيمن، ثالثاً: زرع شريان تاجي وزرع بطارية للقلب.

 

ــ الى اي مدى تساعد التقنيات والأجهزة المتوافرة في مستشفى حمود لاجراء مثل هذه العملية ونجاحها؟

- اولاً ان مستشفى حمود الجامعي مميز وتتوافر فيه التجهيـــــزات والتقنيــــــات للقيـــــام بمثل هذه العمليات، وهو من المستشفيات المتطورة في الجنوب. جراحة ترميـــــم "الصمــــــام الأبهـــــــــر" التي أُجريت في مستشفى حمود كانت تُجرى للمرة الأولى في لبنان بحضور البروفيسور جبرين الخوري. والمستشفى يحرص على تقديم الخدمات الطبية، ومنذ أيام، نُقلت سيدة سورية لتُعالج في المستشفى وكان وضعها المادي سيئاً ولا تملك تكاليف العلاج، عندها لم يتردد المستشفى بمعالجتها وانقــاذ حياتهــــا حتى لو لم تقـــــــدر ان تدفــــــع الفاتـــــورة وما شابه، والطاقم الطبي في المستشفى يعمل بجهد ومثابرة.

بنك الأعضاء

ــ ومتى تكون عملية "الصمام الأبهر" صعبة؟

- أصعب العمليات التي نجريها هي انسلاخ الشريان الأبهر، ففي هذه الحالة نحتاج لسرعة في التشخيص وسرعة في التدخل لاجراء العملية، ونسبة نجاح العملية عالية، ولكن المشكلة تكمن على صعيد الدولة وبنك الأعضاء، إذ لا يزال العديد من الناس لا يحبذون فكرة وهب الأعضاء، وكم من المرضى ضمن لائحة الانتظار في ما يتعلق بوهب الأعضاء! وفي لبنان تزداد المشكلة بسبب عدم توافر واهبين لمنح أعضائهم لأشخاص هم بحاجة اليها، مع العلم انه تقع حوادث سير عديدة وتُزهق أرواح الناس ولكن لا يقبل ذوو الأشخاص الذين يموتون في تلك الحوادث وهب أعضاء أولادهم، ويجب ان يكون هناك عمل جدي لحل هذه المشكلة، في وقت نرى فيه الناس في أوروبا يتبرعون بأعضائهم وهم لا يزالون على قيد الحياة في حال تعرضوا لحادث وما شابه. هناك حالات مستعصية وتحتاج لعملية زرع قلب، وبالرغم من ان عملية زرع القلب ليست صعبة، ولكن المشكلة تكمن بعدم توافر واهبين او متبرعين، ولهذا يودي الأمر الى وفاة أشخاص كان من الممكن إنقاذ حياتهم.

المصدر :الأفكار - وردية بطرس