الاثنين 22 كانون الثاني 2018 09:18 ص

"الموساد" ينفذ عملية "حط.. وغط.. وطار" باستهداف مسؤول "حماس" بتفجير صيدا


* هيثم زعيتر:

تتوالى إخفاقات العدو الإسرائيلي السياسية والأمنية على الصعيدين اللبناني والفلسطيني.
فخلال أقل من أسبوع تمكنت "شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخلي من فك لغز محاولة اغتيال الكادر في حركة "حماس" محمد عمر حمدان (مواليد 1984)، بتفجير سيارته من نوع "BMW" فضية اللون في صيدا، يوم الأحد (14 الجاري)، والتي نجا منها بأعجوبة.
وتمثل نجاح "شعبة المعلومات" بتثبيت وقُوف "الموساد" خلف العملية الأمنية الدقيقة والحساسة، وكشف أسماء المشاركين فيها، التي يرأسها اللبناني محمد بيتية (مواليد طرابلس 1978)، الذي غادر إلى مكان إقامته في هولندا، فيما غادر شريكه في العملية إلى تركيا، حيث علمت "اللـواء" أنه من آل الحجار.
وأثمرت اتصالات رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مع الجانب التركي، سرعة في التعاون والتجاوب، حيث أوقفته الشرطة التركية.
كما علمت "اللـواء" أن الإجراءات اللبنانية مع الجانب التركي بدأت لاسترداد المتهم الثاني، الأمر الذي يحتاج إلى رسالة من النائب العام التمييزي في لبنان القاضي سمير حمود إلى وزارة العدل في لبنان، التي تحيلها على وزارة الخارجية اللبنانية، لتحيلها بدورها إلى السفارة التركية في لبنان، قبل نقلها إلى وزارة الخارجية التركية، لتحولها إلى وزارة العدل التركية، لتتخذ بدورها قراراً بشأن تسليم الموقوف، في ضوء المعطيات التي يتم تضمينها طلب الاسترداد المقدم.
دوافع موافقة تركيا على التسليم
ومن المتوقع أن توافق تركيا على تسليم الموقوف لديها، انطلاقاً من أن:
- العلاقة الممتازة بين الرئيس الحريري والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
- العلاقات اللبنانية - التركية الجيدة، التي تجلت في أكثر من مناسبة، وبينها الدور الذي قام به مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم بالإفراج عن المواطنين التركيين اللذين خطفا في لبنان إيدين طوفان تيكين وعبد الباسط أورسولان، ثم الطيار مراد أكبينار ومساعده مراد آغشا في صفقة "مخطوفي أعزاز" من الزوار اللبنانيين، بتاريخ 19 تشرين الأول 2013.
- العلاقة الممتازة بين تركيا وحركة "حماس".
- هناك مصلحة تركية، فهي تسعى إلى تشكيل محور إسلامي لمواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقله سفارة بلاده إليها، وعقد قمة استثنائية لـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" في اسطنبول (13 كانون الأول 2017).
- توتراً يسود العلاقات التركية مع الكيان الإسرائيلي، الذي تعتبر الساحة التركية مركزاً رئيسياً لنشاطه التجسسي، وانعكس هذا التوتر بتعمد الإحتلال الإسرائيلي اعتقال عدد من الأتراك على أبواب المسجد الأقصى المبارك وفي المدينة المقدسة.
منذ اللحظات الأولى لتنفيذ الجريمة وجهت أصابع الاتهام إلى العدو الصهيوني.
ووضع القاضي حمود يده على ملف القضية، حيث كلف الجيش اللبناني التحقيقات فيها، فيما قام الخبير العسكري بمعاينة مسرح الجريمة، وحدد نوع العبوة وزنتها التي بلغت 500 غرام مزود بكرات حديدية، تؤدي غرضها بالإستهداف الشخصي.
واستمعت مخابرات الجيش إلى إفادات عدد من المتواجدين في المنطقة، قبل إطلاق سراحهم، حيث لم يتم توقيف أي شخص.
فيما استطاعت "شعبة المعلومات" جمع تسجيلات الكاميرات في المنطقة وصولاً إلى بيروت، وتحديد نوع السيارة التي استخدمت في الجريمة، مع حركة الاتصالات الهاتفية، وتحليلها ما أفضى إلى الوصول لمعلومات هامة، مكنتهم من إماطة اللثام عن العملية.
وقد أدت هذه الخيوط إلى مداهمة الشقة التي كان قد استأجرها بيتية على الواجهة البحرية للعاصمة بيروت، عبر الانترنت من مكان إقامته في هولندا، وقبل حضوره إلى لبنان بأسبوع من تنفيذ الجريمة، حيث تمت مداهمتها ومصادرة بعض الأغراض من داخلها، وسيارتين كان قد جرى استئجارهما.
كما جرى أيضاً مداهمة منزل بيتيه في طرابلس ومصادرة وثائق من داخله، قبل ختمه بالشمع الأحمر.
وتبين من حركة المغادرين في "مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي" أن بيتية غادر ليل تنفيذ الجريمة إلى مكان إقامته في أمستردام.
كما غادر المطار المتهم الثاني، وهو من آل الطبش، إلى تركيا، التي كان قد وصل منها قبل تنفيذ العملية.
تنفيد العملية
احتاج تنفيذ العملية إلى جهود مكثفة من "الموساد"، حيث جرى استطلاع مكان الهدف المحدد في "بناية أبو سيدو" في منطقة البستان الكبير في صيدا، والواقعة خلف "مدارس الإيمان" - التي كان طلابها في يوم العطلة الأسبوعبة - وتحرك حمدان، ومن ثم تحديد "الموساد" موعد تنفيذ العملية، يوم الأحد (14 كانون الثاني الجاري).
ومع اكتمال التحضيرات عاد المتهمان بالعملية وانتقلا إلى منطقة صيدا، وهناك من قام قرابة الثالثة والنصف فجراً، مستغلاً الطقس العاصف، بزرع العبوة أسفل السيارة الـ"BMW" العائدة إلى حمدان والمسجلة باسم زوجته دعاء زكي عبد عرعراوي، قبل مغادرة المكان، والعودة ثانية قرابة السابعة والنصف صباحاً، بإنتظار نزوله من الشقة التي يقيم فيها في الطبقة الثانية  من المبنى، والتي كان إستأجرها من عائلة الراحلة الحاجة مريم صادق الشيخ عمار "أم سامي الجردلي"، بعد وفاة والدتهم قبل عام (18 كانون الثاني 2017)، حيث يعرفه الجيران بإسم "أبو حمزة" أو أمجد حمدان.
وقرابة الساعة الثانية عشرة، خرج حمدان من مدخل البناية، فيما كانت تهم زوجته دعاء، اللحاق به، ولدى وصوله إلى أمام السيارة، شاهد زجاجها الأمامي موحلاً نتيجة الطقس العاصف والماطر، فقام بفتح بابها لجهة السائق وتشغيل محركها، دون الصعود إليها، بل انتقل إلى الخلف، وفتح الصندوق لإحضار قطعة قماش بهدف مسح الزجاج الأمامي الموحل.
في تلك الأثناء قام من يراقبه بالضغط على جهاز "الريمون كونترول"، فوقع الإنفجار، الذي أحدث دوياً قوياً، واشتعلت النيران في السيارة، وتعالت سحب الدخان، فيما نجا محمد من محاولة اغتيال، وأصيب برجليه، وتمكن من السير لبضعة أمتار، قبل أن يتم نقله إلى "مركز لبيب الطبي" في المدينة، حيث خضع للعلاج اللازم.
واستناداً إلى عمليات أمنية سابقة، فمن المرجح أن يكون العدو قد جند أكثر من شبكة لتنفيذ العملية، وإن كانت الأسماء التي تم التوصل إليها تشير إلى اثنين، إلا أن هناك من ساعد في تأمين العبوة المستخدمة مع جهاز التفجير، والتي غالباً ما يعتمد "الموساد" تأمينها من خلال أسلوب "البريد الميت" من خلال أحد العملاء، بعد أن يكون قد أمنها له عبر أحد المنافذ البرية أو البحرية، كما قام به العميل الموقوف محمود رافع بنقله حقائب تسلمها من "الموساد" أو بنقله الضابط جورج (ليل 25 أيار 2006)، الذي أحضر باباً مفخخاً استخدم في سيارة المرسيدس التي نفذت بها جريمة اغتيال القياديين في "حركة الجهاد الإسلامي" محمود ونضال المجذوب في صيدا (26 منه)، قبل أن يتم إجلاؤه عن طريق قوة كومندوس إسرائيلي من على شاطئ جبيل.
هذا مع استبعاد أن يكون التصنيع محلياً، لأنه لم يثبت في عمليات "الموساد" استخدام مثل هذا الأسلوب.
كما أن "الموساد" اعتمد في هذه العملية أسلوب "حط.. وغط.. وطار" - أي إيفاد أشخاص على مستوى عالٍ من التدريب من خارج لبنان، خشية اكتشاف الأمر والتوقيف، وهو ما جرى مع شبكات أخرى، انطلاقاً من خطأ ما قد يقترفه أعضاء الشبكة، ويؤدي إلى اكتشافهم، فكيف بوجود عشرات الكاميرات المزروعة في المنطقة؟!، قبل أن يغادروا المطار كل إلى الوجهة المحددة والتي حضر منها.
إختيار المنفذين والهدف
واختار "الموساد" لتنفيذ هذه العملية الأمنية الدقيقة:
- أشخاصاً غير معروفين لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، ما يتيح لهم سهولة التحرك دون شبهات.
- أن بيتيه لديه خبرة أمنية، من خلال عمله في أمن السفارة البريطانية بين عامي 2005-2013، حيث جنده "الموساد"، قبل أن يترك العمل وينتقل إلى هولندا، ويوجهه للعمل في مجال تجارة الصابون التراثي الطرابلسي، حيث أقام شراكة مع أحد السوريين المجنسين، يتخذ من منطقة برج البراجنة مقراً له، حيث كان يحضر الصابون من طرابلس ليشحنه إلى هولندا، متستراً بعمله التجاري، إبعاداً للشبهات عن حقيقة مهمته، وإن لم يفِ بتسديد المستحقات إلى عدد من التجار، طالباً تأجيل دفع هذه المستحقات.
أما المستهدف حمدان، فهو خريج "جامعة بيروت العربية" وأستاذ لمادة الكيمياء، لكن لا يزاول التدريس في مدارس خاصة، بل بدروس خصوصية، ولم يسجل له أي حضور في النشاطات التي تقام على الساحة اللبنانية.
واختيار "الموساد" لشخصيته، وتجنيد أكثر من شبكة، يعني أنه يصنفه في دائرة دعم المقاومة الفلسطينية، التي تؤلم الإحتلال.
وتشكل هذه الجريمة خرقاً إسرائيلياً واضحاً للقرار الدولي 1701، ما يستوجب تقديم شكوى لبنانية إلى مجلس الأمن الدولي، بعد اكتمال التحقيقات المتعلقة بالملف.
ويلاحظ أن "الموساد" عمد في الآونة الأخيرة إلى تنشيط جواسيسه على الساحة اللبنانية، حيث تم توقيف العديد منهم، ما ينذر بتنفيذ عمليات أمنية تستهدف قيادات وكوادر لها دور في إيلام العدو، أو بهدف توتير الوضع بعد تفكيك العديد من شبكاته السابقة والخلايا الإرهابية.
وبعد فشل العملية، سارع المسؤولون الإسرائيليون إلى التنصل من مسؤوليتها، بالإشارة إلى أنهم لو هم من قاموا بتنفيذها لما خرج حمدان سالماً.
لكن وزير الحرب في الكيان الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، كان قد إتهم حركة "حماس" بالسعي لتعزيز وجودها في جنوب لبنان، لتنفيذ عمليات ضد الكيان الإسرائيلي.
وقال ليبرمان، خلال زيارته الجنديين اللذين أصيبا الأربعاء الماضي في جنين بالضفة الغربية المحتلة: "حماس تحاول تنفيذ عمليات في الضفة الغربية، وتعمل على فتح ساحات جديدة في جنوب لبنان، وتسعى لتقوية بنيتها التحتية هناك لتهديد إسرائيل".
وأضاف ليبرمان: "إسرائيل تتابع تطور العلاقة بين ممثلي حركة "حماس" وخاصة صالح العاروري وأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله"، متوعداً بأنه "سيكون هناك رد مناسب لكل تطور في هذه العلاقة".
تبرؤ عائلة بيتية
وأصدرت عائلة بيتية بياناً جاء فيه: "نتوجه بالتهنئة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية عموماً و"شعبة المعلومات" خصوصاً على الانجازات المتلاحقة في حفظ الأمن والعمل على الحفاظ على وطننا الحبيب لبنان، مرتعاً للسلام والاطمئنان، ونخص بالذكر السرعة والاتقان في الكشف عن ملابسات الحوادث الأمنية، وآخرها الاختراق الأمني الإسرائيلي الذي استهدف أحد الأخوة في المقاومة الفلسطينية "حماس".
  وهنا ننوه أن ما تم الكشف عنه حول هذه الحادثة المدانة وارتباطها بشخص يدعى (محمد بيتية)، إننا وبعد المتابعة تبين لنا أن هذا الشخص لا يرتبط لا من قريب ولا من بعيد بأحد من هذه العائلة، وليس لنا أي صلة قربى به غير اسمه، وهذا الشخص عاش حياته خارج لبنان حتى عودته المشؤومة، وهرب كالجرذ بعد فعلته الشنيعة عائداً إلى أحضان أهله الأصليين "الموساد". 
  ونتمنى على كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عدم ربط إسم هذا الارهابي العميل، بأي شكل من الأشكال بمدينة طرابلس الأبية، أو بآل بيتية، ويكفينا شرفاً أننا نعتز بعروبتنا وبوطننا العزيز الذي عشنا وترعرعنا به، وسنموت من أجله، لبنان".

المصدر :اللواء