الأربعاء 30 آذار 2016 07:50 ص

البطالة بين الخرّيجين "ناقوس خطر" يدقُّ في "عاصمة الجنوب"


* ثريا حسن زعيتر:

دقَّ "ناقوس الخطر" في مدينة صيدا... شبابها على شفير الهاوية، إما في بيوتهم يجلسون بانتظار الفرج، أو في المقاهي يلعبون الورق والشطرنج، وسط أفكار تحاصر عقولهم، ولدت عبر خوفهم من مستقبلهم المجهول، في ظل تفشّي البطالة المنتشرة بينهم...

فبعد تخرّج الطالب من الجامعة، التي تكلّفه وعائلته مبالغاً طائلة، يهرع باتجاه سوق العمل، آملاً تأسيس حياة جديدة مستقلّة، إلا أنه يُصدم بأبواب موصدة...

والشاب الصيداوي لا يترك باباً إلا ويطرقه، لكن للأسف يصطدم بخيبة أمل "لسنا بحاجة إلى موظفين الآن"، أو المعاش لا يكفي بدل أجرة النقل، فلا يجد أمامه طريقاً إلا أن يعزل نفسه عن العالم، ويستسلم لأفكاره، فيدخل حالة الاكتئاب... تنطفئ نور الحياة أمام ناظريه، ويخفو بريق الأمل، فتصبح أيامه باهتة، وتتلاشى طاقته، التي نحن بأمسّ الحاجة لها، أو يختار الهجرة إلى بلد آخر، فنخسر كفاءته التي يستفيد منها آخرون...

في مقاهي مدينة صيدا يجلس العشرات من الشباب ليس في الليل بعد انتهاء عملهم، إنما في النهار يلعبون الورق، أو يبحثون عن العمل عبر الإنترنت، ويشكون همومهم لبعضهم البعض لعلّهم يفشّون خلقهم، بدلاً من البطالة القاتلة التي تؤدّي إلى الانحراف، وتساهم بارتفاع وتيرة المشاكل الاجتماعية ونشر آفة المخدرات...

"لـواء صيدا والجنوب" يُسلّط الضوء على البطالة المنتشرة بين الشباب في مدينة صيدا، وكيف يقضون أوقاتهم اليومية، وما هي مطالبهم؟!...

أين فاعليات المدينة؟

يمضي معظم الشباب في "عاصمة الجنوب"  أوقاتهم في المقاهى، يلعبون الورق والشطرنج، ويشربون "النرجيلة" وهم يبحثون عن وظيفة عبر الانترنت، لكن "لا حياة لمن تنادي".

*  يجلس الشاب الصيداوي علي السعودي، خرّيج إدارة الأعمال في المقهى وهو يلعب الورق مع أصدقائه،  قائلاً: "كنت أعمل في جمعية خلال فترة دراستي الجامعية، من أجل مساعدة أهلي في مصروفي، لكن شاء القدر أن أترك العمل في الجمعية التي عملت فيها لسنوات طويلة، وفجأة تغيّر كل شيء، وأصبحت بدون عمل، طرقت أبواب الكثير من المؤسسات، لكن دائماً كانت النتيجة سلبية، لأن بعض المؤسسات لا تريد خرّيجين بشهادات عالية، أما البعض الآخر فيريد أن يدفع راتب أقل بكثير من أن يؤمّن حياة معيشية متوسطة أو يلبّي متطلبات الحياة".

وأضاف: "أنا لا أريد أن أصبح غنياً، كل ما أطمح إليه، هو القدرة على تأمين الأمور الحياتية الأساسية، لكن للأسف، لم أترك باباً إلا وطرقته، لكن "لا حياة لمن تنادي"، أجلس يومياً أنا وأصحابي في المقهى، ونشكو همومنا لبعضنا البعض، ونضيّع أوقاتنا في لعب الشطرنج والورق، حتى أصبح بإمكان الدولة إقامة دورات ومسابقات للشطرنج وغيرها من الألعاب، لأن أغلب الشباب الصيداوي أصبح ماهراً في تلك الألعاب".

وتابع: "الخوف ليس علينا نحن، لأننا شباب متعلّم وواعٍٍ، ووعينا وثقافتنا تعطينا بعض الأمل، وتحول دون التسرّع واللجوء إلى طرق غير شرعية، أما الشباب الذين لا يملكون شهادات وغير متعلمين فما هو مصيرهم؟ّ! فهم الآن في خطر من الإنجرار إلى طرق خاطئة يُمكن أن تؤدّي بهم إلى التهلكة، مثل الإقدام على السرقة وتعاطي المخدرات وكل الأمور الأخرى".

وختم السعودي بتوجيه رسالة قائلاً: "أنا كصيداوي، أوجّه رسالة إلى كل المعنيين من نواب وقيادات وأحزاب وبلدية وجمعيات في صيدا، من أجل العمل على تأمين فرص عمل للشباب، فمهم جداً الأموال التي تصرف على إصلاح الطرقات والبنى التحتية والأمور الأخرى، لكن أيضاً يجب تخصيص أموال من أجل تأمين فرص عمل للشباب".

خياران كلاهما مُرّ

* أما الصيداوي جاد، فهو خرّيج جامعي بمعدل عالٍ، قال واليأس في عينيه: "منذ حصولي على الشهادة وأنا أحاول بكل الطرق قرع أبواب المؤسسات، لكن في نهايةً المطاف فَقَدتْ الأمل، واضطررت إلى ترك خطيبتي لعدم قدرتي المادية على تأسيس حياة عائلية، فأنا كنت أعمل، لكن تعرّضت إلى حادث ورقدت في المستشفى تقريباً لحوالى شهرين، لذلك استغنوا عني في العمل لأنني تغيّبت عن العمل، وهذا الغياب لم يكن بإرادتي، إنما نتيجة الحادث".

وأعرب جاد عن أسفه إلى الحالة التي وصل لها لبنان، وحزنه على شبابه "لأن الشباب حالياً أمام خيارين فقط، وكلا منهما أسوأ من الآخر:

- إما اللجوء إلى الهجرة، وعندها يعاني من مشاكل الغربة والتشرّد.

- أو انتظار حصول معجزة لتنتشله من واقع أليم، تحمله إلى مكان يحرّك طاقاته ليشعر أنه إنسان منتج، وله قيمة، وأيضاً أمامه مستقبل".

اختار جاد أن يبقى في مدينته صيدا، فهو وجد الانتظار أقلّ وحشة من الغربة، وطالب المسؤولين والفاعليات والجمعيات "تأمين فرص عمل للشباب والاستفادة من طاقاتهم، لأن هدرها يصب من تعطيل تطوّر البلد، أما الاستفادة منها فيحرّك اقتصاد البلد بطريقة منتجة وقوية".

ظاهرة خطيرة

* أمين سر "تجمّع المؤسسات الأهلية" في منطقة صيدا ماجد حمتو قال: "إن نسبة الشباب العاطلين عن العمل في مدينة صيدا لا تقل عن 40% من الموجودين كقوة عاملة ومنتجة، وللأسف فإن من أسباب هذه المشكلة، الأزمة الاقتصادية التي يمرُّ بها لبنان، وتأثّرت بها كل المناطق لا سيما مدينة صيدا، ولكن يكمن الحل في تكوين سياسات واضحة تساعد على إيجاد فرص عمل للشباب".

وأضاف: "نحن كمؤسسات أهلية ومجتمع مدني، نحاول دائماً إيجاد برامج بالشراكة مع المجتمع المحلي، لأن ظاهرة بطالة الشباب وعدم تأمين عمل لهم، هي ظاهرة خطيرة جداً، وإذا أراد أحد تدمير مجتمع، فعليه الحد من طاقات شبابه، فعندما يتم الحد من قدرات الشباب، ستنتشر ظاهرة الإحباط وتعاطي المخدرات والادمان، وكل ما يتعلق فيها من آفات اجتماعية خطيرة".

وتابع: "وفي حال تأمين فرص عمل للشباب، الذي يعاني من البطالة، فإن أوقاته ستتكرّس في بذل جهده في العمل، ما سيشعره بأنه شخص منتج، وهذا يؤمّن له الراحة النفسية، التي بدورها ستبعده عن الآفات الاجتماعية، لذلك علينا أن نتعاون جمعياً من نواب المدينة وفاعلياتها والبلدية والقطاع الخاص، بإعداد برامج تنمية، بشكل مادي ومعنوي، من خلال تنمية البشر والحجر، وقد بدأت التنمية على مستوى المدينة بالتحسّن إلى حد ما، لكن على مستوى البشر مطلوب الاهتمام بالشباب وتوفير فرص عمل لهم".

وشدّد حمتو على "أن إيجاد فرص عمل للشباب الصيداوي لا يقتصر فقط على المؤسسات، إنما أولاً وأخيراً، أكرر يجب على النواب والفاعليات في مدينة  صيدا تحمّل المسؤولية، والمساهمة في إيجاد حلول، وهذا أمر طبيعي، وواجبهم الاهتمام بالشباب".

 

علي وجاد يلعبان طاولة الزهر

ماجد حمتو: نسبة العاطلين عن العمل في صيدا 40% من الشباب المنتج

 

 

 

يبحثون عن عمل عبر الإنترنت

 

المصدر : جنوبيات