الاثنين 4 تشرين الثاني 2019 10:23 ص

حسن علي الدّر: مَن قتل الثّورة؟!


* حسن علي الدّر

كثر الحديث والتّحليل، والتّهليل والتّطبيل، لحركة الاحتجاجات والتظاهرات الّتي حصلت في مدينة صور الجنوبيّة، حتّى بدت مدينة الإمام الصّدر لوهلة، مدينة ثائرة على مجدّد حضارتها، وباني عمارتها الحديثة، الرّئيس نبيه برّي، وعلى حركة أمل، الّتي حرّرت المدينة ولبنان من براثن الاحتلال الاسرائيليّ عام 1985 بدماء قادتها وعرق مجاهديها.
هكذا بدت صور في اليومين الأوّلين على الفضاء الملوّث بالحقد، والموبوء بالفتنة، قنوات مشبوهة بتاريخها وبرامجها الفاسدة والمفسدة، وعلاقات أصحابها وارتباطاتهم وصفقاتهم، الّتي بثّت سمومها وفتحت هواءها، لتنقل صورة مشوّهة ومضخّمة، بعيدة عن الحقيقة بُعد هذه القنوات نفسها عن الموضوعيّة والمصداقيّة.
ولأنّنا أبناء المدينة وأهلها، و"حارتنا ضيقة والنّاس بتعرف بعض"، إليكم حقيقة ما جرى سماعًا وعيانًا، ولمن يرغب نفيده بالأرقام والأسماء والصّور.
في اليوم الأوّل من الحراك، نزل عدد من النّاس إلى الشّارع، مدفوعين بوجعهم وفقرهم ونقمتهم على الواقع الاجتماعي والاقتصادي السّيّء جدًّا، وكان أكثر المشاركين يسبحون في فلك حركة أمل، إمّا مناصرين وإمّا مؤيدين، ولا حرج لديهم ولا لدى الحركة، بما أنّ رئيسها عبّر في مناسبات عدّة، عن قلقه من تدهور الأمور وانفجار الشّارع لأسباب معيشيّة واقتصاديّة، وهذه التّصريحات موجودة بنصوصها وتواريخها لمن يرغب بمراجعتها، ويعلمون أيضًا أنّ حركتهم هي حركة المحرومين، وهي الحركة الحاملة لحقوقهم والحامية لمطالبهم.
لذلك كانت أعداد المتظاهرين بالمئات، وكانت الشّعارات تشبه أسباب نزول النّاس، شعارات مطلبيّة محقّة، وإذا تعدّت ذلك إلى شعارات سياسيّة، كانت عامّة ولا تستهدف زعيمًا أو حزبًا بعينه، حتّى انبرى فجأة أحد الشّباب -معروف الجنسيّة والانتماء- حاملاً مكبّرًا للصّوت، وبدأ يكيل السّباب والشّتائم للرّئيس نبيه برّي وعائلته وللنّائب محمّد رعد! فتفرّق العدد الأكبر من المتظاهرين وعادوا إلى بيوتهم، دون المبادرة إلى أيّ ردّة فعل. وأكمل الآخرون مسيرة سبابهم وشتمهم وتخريبهم، فقطعوا طرقات المدينة، وشوارعها الدّاخليّة بالاطارات المشتعلة، ورموا حاويات النّفايات في الطّرقات، وأحرقوا استراحة صور السّياحيّة، ثمّ حاولوا اقتحام مكاتب نوّاب المدينة، فحوّلوا صور الآمنة إلى مدينة أشباح، وهم في غالبيّتهم ليسوا من أهل المدينة، بل من بعض القرى والمخيّمات المجاورة.
فعَلَت أصوات الشّرفاء، الصّوريين الأوفياء لمن حرّر مدينتهم وحمى تنوّعها، وحوّلها إلى جوهرة المتوسّط، ببناها التّحتيّة والفوقيّة، والتّوسعة على مدخليها الجنوبيّ والشّماليّ، وساحاتها وطرقاتها ومهرجاناتها، وبحماية شاطئها من أيدي العابثين بالأملاك البحريّة، حتّى صُنّف مؤخّرًا من ضمن الشّواطىء الأربعة الأجمل في آسيا. فتداعوا إلى مظاهرة تجوب شوارع المدينة، وتؤكّد على هوّيتها الحركيّة، فكانت مظاهرة حاشدة نهار السّبت 19-10-2019، شابها ظهور مسلّح أدانته قيادة الحركة، فاستعادت صور أنفاسها، وأشرقت من جديد بوجهها الجميل، مذ خرج المشبوهون منها، وبقي بضع عشرات يعتصمون في "ساحة العلم" الّتي ما كانت لولا نبيه برّي. وراحت الأعداد تتضاءل يومًا بعد يوم، رغم تسليط الاعلام عليها بشكل واضح، وانتصرت الأرض الطّيّبة على الفضاء الملوّث، وانتصر وفاء النّاس على تضليل الإعلام، ومات "الحراك المشروع" مقتولاً، فمن قتله؟
لقد قتله المشبوهون والمدسوسون والمدفوعون، الّذين استفزّوا الشّريحة الأكبر من أهالي صور وجوارها، والّذين أساؤوا وشتموا وسبّوا، وأهانوا الأعراض والكرامات، فهل هكذا تكون الثّورات؟ّ!
وهل كان مَن موّل وحرّك وشجّع وهتف، هل كان حقًّا ضنينًا بحقوق النّاس ومطالبهم؟ أم أنّها كانت محاولة لإسقاط نبيه برّي في أرضه وبين جمهوره، وبالتّالي ضرب المتراس الأوّل للمقاومة وسلاحها، وللبنان وحقوقه في وجه المطامع الاسرائيليّة والأمريكيّة، وبالتّالي الانتقال إلى المرحلة الثّانية بالتّصويب المباشر على المقاومة وقادتها!
لقد بات اللّعب على المكشوف، واستعجل المستثمرون على أوجاع النّاس ركوب الموجة، وما أضمروه ظهر على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم، وما تغنّوا به من نبذ للطّائفيّة والمذهبيّة سمعناه ورأياناه بأبشع صوره في بعض السّاحات وعلى الطّرقات، والآتي وأعظم..

 

المصدر : جنوبيات