الأربعاء 21 نيسان 2021 12:30 م

السودان يقر قانون "إلغاء مقاطعة إسرائيل"


* المستشار اسامة سعد

"لا صلح لا اعتراف لا تفاوض" تلك هي اللاءات الثلاثة التي عُرف بها مؤتمر الخرطوم الذي انعقد في العام 1967م على خلفية الهزيمة التي لحقتها "إسرائيل" بالعرب، فعقد العرب قمة لتأكيد ثوابتهم تجاه الكيان الصهيوني من خلال هذه اللاءات لتعرف الخرطوم بعدها بعاصمة اللاءات الثلاثة، كونها حظيت بشرف استضافة مؤتمر العرب الذي أقر هذه الثوابت، وبقيت الخرطوم على عهدها بهذه الثوابت رغم تغير وتبدل أنظمة الحكم عليها باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية لهذه الأنظمة، حتى نقضت الخرطوم عهدها مع هذه اللاءات يوم الاثنين الماضي حينما صادق مجلسا السيادة والوزراء السودانيين على قانون الغاء مقاطعة "إسرائيل".

تصديق مجلسي السيادة والوزراء السودانيين على هذا القانون هدم حاجز صد عظيم للامتداد الصهيوني في العمق العربي ظل متماسكاً لمدة أربعة وخمسين عاماً، وذلك خلال ثلاث سنوات فقط من عمر المجلس السيادي الانتقالي السوداني الذي أعقب نظام البشير.

قد يكون لنظام البشير الكثير من المساوئ في الحكم ولكن يشهد له أنه كان داعماً مخلصاً للقضية الفلسطينية ومعادياً للصهيونية، الأمر الذي منعه التمتعَ بالحماية الغربية وما توفّره من دعم مادي أو اقتصادي للسودان، فآثر التمسك بالثوابت العربية ومحافظاً على عهد الخرطوم، رغم كل المؤامرات التي حيكت ضد السودان من جانب العدو الصهيوني والإدارة الامريكية وأطراف عربية أصبحت عراب التطبيع مع "إسرائيل" ومحرك الفتن في الوطن العربي.

سودان اللاءات الثلاث تعرض للقصف الأمريكي والصهيوني مرات عديدة لثنيه عن دعم المقاومة الفلسطينية، ولكنه أبى التنازل عن لاءاته التي تمثل إرثه النضالي الوطني المعاصر المعبّر عن أصالة الفكر العربي الثوري المضاد تماماً للفكر "الثوري" الحالي في السودان الذي يرسم طريقه على إيقاع السياسة الامريكية والصهيونية.

مجلس السيادة السوداني الذي أقر قانون إلغاء مقاطعة "إسرائيل" تشكل عقب الإطاحة بنظام البشير، هو مجلس انتقالي غير منتخب، تمتد ولايته لمدة تسعة وثلاثين شهراً، يترأسه خلال 21 شهراً الأولى شخصية عسكرية، والثمانية عشر شهراً المتبقية يترأسه شخصية مدنية، وذلك حسب الإعلان الدستوري الصادر في آب 2019م، الذي اتُفق عليه  بين العسكر وقوي الحرية التغير المدنية التي قادت الاحتجاجات ضد البشير.

المجالس الانتقالية بالعادة هي مجالس تصريف أعمال ليس من صلاحياتها أن تفرض سياسيات أو توقع اتفاقيات أو تقر قوانين تؤثر جدرياً في مصير البلاد لكونها غير منتخبة ولا تعبّر عن التوجُّهات الشعبية، ولكن ما يحدث في السودان هو تغير لمجمل شكل وسياسات وعلاقات الدولة السودانية على نحو مخالف تماماً لمسيرة السودان خلال القرن الماضي كله، وكأن القوى المتحكمة في السودان تسابق الزمن لتضع السودان على مسار التطبيع الكامل قبل حلول الاستحقاق الانتخابي الأول بعد البشير، والذي سيكشف الحجم الحقيقي لقوى الحرية والتغيير في السودان التي صورت نفسها صوتاً للشعب السوداني الذي خرج محتجاً على حكم البشير، وركبت موجه هذه الاحتجاجات لتطفو على سطح العملي السياسي السوداني وتتحكم بمصير السودان وترسم مستقبله بعيداً عن نبض الشارع السوداني الحقيقي الذي يتدفق حباً لفلسطين.

كان بإمكان البرهان أن ينهي ولايته دون أن يلطخ سمعته العسكرية بهذا العار، اذ لم يتبقَّ له في رئاسة المجلس السيادي سوى أيام قليلة، ولكن يبدو أن الرجل قد أقدم على هذه الخطوة ظاناًّ أنه يجد لنفسه مخرجاً آمناً من السلطة وذلك خلال التوقيع على هذا القانون، في محاولة لاسترضاء قوى التطبيع العربية التي كان لها دور بارز في الإطاحة بنظام البشير ودعم قوى الحرية والتغيير، ويبدو أن قوى الحرية والتغيير التي تصف نفسها "بالقوى الثورية" قد فشلت في تقديم أي شيء جديد للشعب السوداني ولم تفِ بالوعود التي قطعتها على نفسها إبان الاحتجاجات الشعبية التي أتت بها إلي السلطة، فواقع المواطن السوداني ازداد بؤساً على بؤس، فاتجهت قوي الحرية والتغيير نحو المسار الأكثر فشلاً والمجرب عربيّاً من قبل، وهو طريق العلاقة مع "إسرائيل" علها تجد لدي الأخيرة ما يقيل عثراتها، وما فطنت أن من سبقها من الدول العربية لم تكن نتيجة علاقاتها مع العدو الصهيوني إلا مزيداً من التدهور الاقتصادي الذي جعل منها تابع يعيش على المعونات الامريكية المشروطة بالمحافظة على أمن "إسرائيل".

قال موسى ديان قديماً عن القادة العرب في سياق التخطيط العسكري "إن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يفعلون" ويبدو أن هذه المقولة قد انطبقت في أيامنا هذه على بعض القادة العرب ولكن في سياق التخطيط والعمل السياسي.

المصدر : جنوبيات