الأربعاء 2 حزيران 2021 15:19 م

دعم دولي للجيش.. الغذاء والطبابة أولاً


اذا كان الواقع الاقتصادي والمعيشي وسبحة الازمات التي تكر سريعا بعدما تعطلت مكابحها، ترهق اللبنانيين في مختلف القطاعات الى درجة الكفر بالقادة والمسؤولين السياسيين والمطالبة برحيل المنظومة كاملة، فإن هذا الواقع يرخي بثقله اضعافا مضاعفة على الاجهزة الامنية عموما، والمؤسسة العسكرية في شكل خاص بعدما تم تحميلها اوزاراً ضخمة وتكليفها بمهام ليست من اختصاصها، حتى باتت اكثر من ان يحتملها العسكريون الذين انخفضت معاشات الجنود العاديين منهم الى ما دون المئة دولار بفعل  انهيار قيمة الليرة بنحو 90 في المئة منذ أواخر 2019، فيما المطلوب منهم يفوق مهامهم العادية في الظروف الطبيعية.

المرحلة بالغة الصعوبة، وتكاد تكون الاصعب لجهة تهديد الاستقرار منذ انتهاء الحرب الاهلية عام 1990، لكن قيادة الجيش بحسب ما تؤكد اوساط معنية لـ"المركزية" تحصّنت بالقدر الممكن لتمرير الحقبة هذه بأقل أضرار ممكنة، من خلال سلسلة قرارات وإجراءات داخلية رشدّت الإنفاق وحصرته بالضروري منه وصولا الى نوعية المأكل والمشرب وتقليص المصاريف غير الضرورية الى الحد الاقصى من التدريب الى السفر والاعتماد على مهارات الداخل والقدرات الذاتية لاصلاح الاعطال في العتاد، على امل انتهاء الازمة السياسية في اسرع وقت بدءا بتشكيل حكومة، بيد انها حتى ذلك الوقت تبقي اتكالها الاكبر على الدعم والمساعدات الخارجية، خصوصا ان الجهود والمساعي المبذولة على مستوى التشكيل تصطدم الواحدة تلو الاخرى بجدران التعنت والممانعة.

ازاء هذا الواقع، وجه قائد الجيش جوزيف عون بوصلة اهتماماته الى جانب الامن وضرورة صون الاستقرار نحو الخارج للحصول على المساعدات ان عبر الاتصالات او الزيارات الى الدول المهتمة بدعم الجيش العربية منها والاجنبية، وفي طليعتها فرنسا والولايات المتحدة الاميركية والعراق. وقد اثمرت جهوده هذه في تأمين ما يلزم للاستمرار. واشنطن اعلنت في 21 ايار الماضي التزامها بتقديم مساعدة مالية للجيش اللبناني، خلال العام الحالي، قدرها 120 مليون دولار، ما يُمثّل زيادة قدرها 15 مليون دولار، عن العام الماضي، وفق بيان أميركي، صدر بعد انعقاد «المؤتمر اللبناني الأميركي لموارد الدفاع»، افتراضياً. ولأن الجيش اللبناني هو العمود الفقري للبنان وعلى اثر زيارة القائد الى فرنسا وتلك ذات الابعاد المتشعبة الى الاليزيه، شرعت الدوائر المختصة هناك في الترتيب لعقد مؤتمر في حزيران الجاري لحشد الدعم من المجتمع الدولي للجيش اللبناني، فيما اكد ماكرون مواصلة دعم هذا الجيش، وقد بادرت بمده بتقديمات غذائية وطبية فيما يجري العمل على تأمين مساعدات عينية للعسكر والضباط تبدو ضرورية لتحصين هؤلاء وابعاد شبح الانقسام عن المؤسسة التي تشكل نموذجا للوحدة الوطنية وقطع الطريق على تكرار تجربة الانهيار التي حصلت في بداية الحرب الأهلية حينما انقسم  الجيش وفقا لانتماءات طائفية وادى إلى تسريع وتيرة انزلاق لبنان نحو سيطرة الميليشيات.

اما عربيا، والى حين تشكيل حكومة تضع قطار الاصلاحات على السكة، وتفتح باب المساعدات المشروطة، بادر العراق الى مد يد العون للجيش، واعلن مدير مكتب شبكة الاعلام العراقي الرسمي في بيروت أمين ناصر في 17 ايار الماضي عن "وصول وفد عراقي كبير ضم 12 قائداً عسكريا وضابطاً اداريا من وزارة الدفاع العراقية الى مطار رفيق الحريري لتسليم الهبة العراقية والمقدرة بثلاثة مليون دولار الى قيادة الجيش اللبناني، والتي اقرها مجلس الوزراء العراقي لمساعدة لبنان". هذه الهبة، قالت الاوساط لـ "المركزية" انها خصصت للطبابة في ضوء الحاجة الملحة اليها وبدء فرض المستشفيات على العسكريين دفع فروقات بملايين الليرات نتيجة عدم قدرة المؤسسة العسكرية على تغطيتها، ما خلق حالا من التململ في اوساطهم، في ظل عجزهم عن التسديد.

مشكورة هي الدول الحنونة والمُحبة التي ما زال لبنان يعني لها الكثير، بيد ان حنفية المساعدات هذه، لن تبقى مفتوحة الى ما شاء الله، فيما قادة لبنان او بالأحرى من لم تعد تنطبق عليهم تسمية "مسؤولين" عن جيشه وشعبه، باعتبار ان ممارساتهم لا تمت الى المسؤولية بصلة، غير مبالين بمصيره وجهنم التي وعدوا اللبنانيين بها،كونهم يتلهون بحرب البيانات والاتهامات المتبادلة، واذا لم تتشكل حكومة انقاذ سريعا تنتشل البلاد مما تتخبط فيه فإن العمود الفقري للبنان لن يتمكن من الصمود طويلا، وسيحترق الوطن بكل من فيه، فهل من يتعظ؟

المصدر :المركزية