السبت 19 حزيران 2021 15:34 م

أميركا والحرية السود وفلسطين


* غازي العريضي

اليوم 19 حزيران . بات يوم عطلة على المستوى الفدرالي في الولايات المتحدة الأميركية لإحياء ذكرى إعتاق " آخر العبيد " في تكساس في 1865 . يعني بعد مئة وستة وخمسين عاماً ، القانون أقرّ بما يشبه الإجماع باتفاق تام بين الديموقراطيين والجمهوريين .وقيل : " هذا اليوم يمثل الحرية " . طبعاً السود وبعد رحلة طويلة من القهر والعذاب والسعي لإقرار حقهم قانونياً ، أبدوا ارتياحاً للقرار . لكنهم ينتظرون إجراءات وقرارات وسياسات عملية وأكثر تجذيراً في المجتمع الأميركي تسقط العنصرية في التعاطي معهم وهي تمارس ضدهم حتى اليوم . ويأتي القرار بعد إحياء الذكرى المئوية لإبادتهم في لوتسا ، التي زارها الرئيس الأميركي من أجل المساعدة في " كسر الصمت " . وتعتبر خطوة اليوم خطوة جديدة إضافية . لكن السود لم يلمسوا شيئاً عملياً بعد !! كل ما في الأمر أن الرئيس بايدن حاول طمأنتهم بالقول : " ابتداء من اليوم سيكون مصيركم معروفاً " . في ذاكرة السود هذا الكلام لا يطمئن . لأن الآلاف منهم قتلوا دون أن يعرف مصيرهم ولا يزال يقتل منهم العشرات سنوياً أمام عيون العالم كله وبالتأكيد أمام أهلهم الذين يقلقون على مصيرهم ، وقد حفرت في ذاكراتهم بشاعات الاعتداءات ، والاغتصابات ، والسحل والقتل والحرق والإستعباد . هذا تاريخهم . هذه رواية مصيرهم على مدى عقود طويلة من الزمن . الحياة مستمرة . لكن منطق الأمور يقول بأن الناس ، لاسيما القادة وفي عالم مثل عالم اليوم ، يجب أن يتعلموا من التاريخ ودروسه وآلامه ومآسيه . أن نقول يوم 19 حزيران هو يوم الحرية ونرى السود في كل يوم تمارس ضدهم سياسة التمييز وتستباح حيواتهم وأحلامهم ، فعن أي حرية نتحدث ؟؟ 
وعندما يكون تفلّت السلاح عنوان أبشع مرحلة تمر بها أميركا حيث لا يمر أسبوع إلا ونسمع عمليات قتل جماعي وإطلاق نار في معظم الولايات ، ونتابع في الوقت ذاته المعارك السياسية المالية في النهاية حول استمرار تشريع بيع الأسلحة المتوسطة والرشاشة للمواطنين والتي تستخدم في كل أعمال الإرهاب التي تغطي الولايات وتعود أسبابها الى حالات مختلفة ولكن العنصرية هي السمة الأبرز في التعاطي مع السود . 
من الناحية الرمزية مهم إعلان يوم 19 حزيران يوم عطلة . عطلة عن العمل تضامناً مع السود واستذكاراً لما عانوه من عبودية وقهر وظلم !! لكن ذلك ليس كافياً . إذ لا يزال ثمة عاملون على التحريض والعنصرية ، وموفّرو حماية لممارسيها باسم القانون في أميركا . يعني ثمة عاطلون في العمل يسوّدون سجل الحرية والإنسانية والأخلاق والعدالة في عملهم العنصري ضد السود . ولأن الحرية لا تتجزأ ، ولا يمكن للمرء أن يكون حراً فيقدّس الحرية في مكان ويدنّس قيمتها في مكان آخر . الحرية لا تمنح . ولا تمارس استنساباً . ولا يمكن لأحد أن يكون ضد العنصرية بشكل فاقع في مكان وحدّ العنصرية الساطع في مكان آخر . غاية هذا الكلام الى جانب المبدأ هو التطلع الى فلسطين وشعبها والعنصرية التي تمارس ضده والتي حذّر من توسّعها وخطرها الأميركيون أنفسهم على مستوى بعض مسؤولي الإدارة الحالية ، إضافة الى أصوات أميركية شعبية وسياسية ودينية وثقافية وفكرية وإعلامية وفنية من اتجاهات مختلفة دعت أثناء حرب "حارس الأسوار" ضد الفلسطينيين الى العمل لرفع الظلم عنهم ، وتــأكيد حــريتهم وحقهم في تقرير مصيرهم !!
هذا امتحان دائم للإدارة الأميركية في مقاربتها للقضية الفلسطينية !!
وانطلاقاً مما قاله بعض مشرّعي القانون الأخير 19 حزيران يوم عطلة  " ان الاعتراف بأخطاء الماضي والتعلّم منها أمر ضروري  للمضي قدماً " . الأخطاء والخطايا بحق الفلسطينيين لم تتوقف بعد . هي ليست من الماضي . هي تمارس أمامنا كل يوم ، فهل يقدم هؤلاء المعنيون في أميركا ، لوضع حدّ لها ليمضي الجميع قدماً نحو مستقبل أكثر أمناً وأستقراراً وينتصرون فعلياً للحرية ؟؟
وهل علم هؤلاء بأن دولة الإرهاب اسرائيل تحتجز في البرادات جثامين 80 شهيداً فلسطينياً يعود بعضها الى سنوات وتمارس ابتزازاً للأهالي بها ؟؟ وتحتجز 254 جثماناً في مقابر الأرقام يعود بعضها الى سبعينات القرن الماضي ؟؟ 
هل ثمة في العصر الحالي ممارسات من هذا النوع في أي مكان في العالم تمارسه دولة يعتبرها " أحرار " أميركا اليوم الدولة الديموقراطية في الشرق الأوسط ، ويرفعون شعار " حقــوق الانسان " لمحاسبة دول وشــــخصيات هنا وهناك ؟؟ هذا ضروري لكنه لا يجزأ !! 

 

المصدر : جنوبيات