الأربعاء 7 تموز 2021 10:30 ص

عسكرة الشارع: مراهقون بعتادهم العسكري ينتظرون ساعة الصفر


* علاء الخوري

تدفع الازمات الاجتماعية التي يعيشها لبنان الى مزيد من الجنون في الشارع، وتحولت يومياتنا الى اشكالات مسلحة ترتدي طابعاً عنفياً، الى حد بات فيه اطلاق النار على أي شخص وقتله مجرد حدث عابر لا يستحق التوقف عنده.

يغلب الانطباع لدى غالبية اللبنانيين بأن زمن سلمية التحركات قد انتهى الى غير رجعة، وهناك ما يؤشر الى تحولات كبيرة في الشارع ذات طابع مسلح ظهر قبل اسابيع في عكار حين اشتبكت عائلتان، على خلفية قطع الطريق في منطقة ببنين قبل أن تتوسع رقعة الاشتباكات ويطوق المسلحون المنطقة، فاندفعت الاجهزة الامنية وتدخلت الوساطات من قبل فعاليات حزبية لتطويق الحادث.

يتحدث البعض عن دعم كبير من قبل أحد الاحزاب لعائلات وشبان في مناطق شمالية، بهدف التمدد في تلك المناطق والتأثير المباشر على اي حراك هناك عبر تلك المجموعات، وقد ظهر دعم هذا الحزب من خلال السلاح الموزع على المجموعات ان من ناحية العدد أو النوعية التي يعتبر سعرها مرتفعاً ولا قدرة لهؤلاء على اقتنائه نظراً لحالة الفقر التي تطغى على المنطقة.

ارتفاع منسوب الجريمة في لبنان تحول الى أمر طبيعي، في ظل تدهور الاوضاع الاقتصادية وانعكاسه على الواقع الاجتماعي، ولكن تنظيم المجموعات في الشارع وتجنيدها لتصبح فصائل مسلحة بكبسة زر، كما حصل في طرابلس الاسبوع الماضي، يطرح تساؤلات عن "عفوية" هذا التحرك الذي جاء رداً على "خبرية" سرعان ما انكشف زيفها وتبين أن الفتاة التي توفيت على اساس نقص في الاوكسيجين لا زالت على قيد الحياة، ولكن هناك من نشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة الشارع ودفعه الى التصعيد، فاستغلت المجموعات المسلحة هذا الغضب واعلنت انتفاضتها بالسلاح على الجيش اللبناني وكل سلطة شرعية للدولة.

اللافت بحسب التقارير الامنية هي الفئة العمرية التي تورطت بهذا اليوم الطرابلسي، وهي في معظمها لا تتخطى الثمانية عشر عاماً وكلها كانت مدججة بسلاحها وتنتظر الاوامر للكبس على الزناد، حتى أن والد أحد الموقوفين خرج بتسجيل صوتي يتهم بعض "قادة الثورة" في الشارع بالتغرير بإبنه ودفع مبالغ مالية لكل المشاركين من الفتيان.

والتصويب على هذه الفئات العمرية يُسهل عمل المشغلين، إذ يلعب الفقر والعوز داخل البيئات التي يعيش فيها هؤلاء عاملًا مسهلاً من الناحية المادية، حيث يتقاضى الفرد منهم مبلغاً زهيداً يرضى به في ظل الحالة التي يعيشها ويستفيد في المقابل المشغلون لكسب المزيد من الارباح على حساب هؤلاء.

التصويب على هذه الفئات ايضاً مقصود لناحية سهولة تحريكها واللعب أكثر على عامل الغريزة معها واستغلال الوضع الاقتصادي لهؤلاء الشبان ودعمهم لتنفيذ كل ما يريده المشغل. في احداث الشمال وما يجري في عكار تظهر تلك الفئات العمرية مدججة بالسلاح وبشكل غير مسبوق، وبعضهم لا مانع لديه من إطلاق النار من دون اي تردد، لا سيما وأن جهات خارجية تعمل على تجنيد هؤلاء الشبان عبر استغلال الوضع الذي يعيشه لبنان.

تتخوف مصادر أمنية من تفلت الشارع وانحداره الى مستويات مقلقة يغلب عليها الطابع المسلح، ومع إنفلاش الازمات وعدم قدرة الدولة على تأمين المحروقات والتهديد المستمر بانقطاع التيار الكهربائي، تكبر المخاوف من انفلات الشارع وتحويل الاحياء والمناطق الى "غيتوات" مسلحة، لا سيما في المناطق البعيدة حيث ينعدم وجود الدولة في الكثير من القطاعات، ويبرز دور بعض المجموعات التي بدأت تعمل على تأمين متطلبات مناطقها لكسب عاطفة هؤلاء ويشرعون هذا العمل الخارج عن سلطة الدولة المركزية. 

تكمن خطورة المرحلة المقبلة بمعرفة المسؤولين بكل شاردة وواردة تحصل في المناطق ويتم غض الطرف عنها، وبمشاركة البعض منهم في حفلة الجنون هذه، ومساعدة أمراء الاحياء والشوارع على فرض سيطرتهم أكثر، ولو على حساب ما تبقى من سلطة للدولة اللبنانية.

المصدر : جنوبيات