الاثنين 19 تموز 2021 08:20 ص

جمال عبد الناصر رجل في أمّة وأمّة في رجل (4/4)


جمال عبد الناصر في اتحاد الجنوب اليمني هو ذاته في اليمن الشمالي، فعندما انطلقت حرب التحرير بقيادة «ذئاب ردفان الحمر» الجناح المقاوم لحركة القوميين العرب اندفع الجيش المصري من مواقعه في اليمن الشمالي مساعداً ومعاوناً لتشكيلات «ذئاب ردفان الحمر» وغيرهم من قوى الشعب اليمني في الجنوب المحتل الى أن تم التحرير والانتصار في أواخر سنة 1967 وإعلان دولة اليمن الديمقراطي برئاسة قحطان الشعبي.

وجمال عبد الناصر، الذي تعرّض لهزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية في الأردن والجولان السوري فاجأ جماهير الأمة العربية ومعها أحرار العالم في محور دول عدم الانحياز وشعوب العالم الثالث المكوَّن لأمم وشعوب القارات الثلاث، بإعلان استقالته من رئاسة الجمهورية وتحمّله المسؤولية كاملة وعودته الى صفوف الجماهير المصرية العربية والعالمية لإزالة آثار العدوان ومسمياً أخاه في مجلس قيادة الثورة زكريا محي الدين باستلام موقع الرئاسة، ولشدّ ما كان الموقف مشحوناً لم يكن في عالم الواقع توقّع ما ردّ به إذ اندفع الشعب المصري بكافة فئاته رجالاً ونساءً وغطى شوارع القاهرة وسائر المدن والبلدات المصرية في ظل إجراءات قطع الكهرباء وحذر الناس من الخروج والتجول وعلى مدى طوال الليل الى مطلع النهار، ان ملايين المصريين ومعهم وبنفس القوة والاندفاع في عواصم الدول العربية بمدنها وقراها وفي غالبية عواصم العالم الثالث يرفضون الاستقالة ولا يريدون جمال عبد الناصر إلا في مركزه، واجتمع مجلس الأمة المصري محاطاً بالكتل البشرية وجاء نداء مجلس الأمة المصري مناشداً جمال عبد الناصر البقاء في موقع المسؤولية حيث لا يوجد سواه قادراً على ذلك، وعند انتصاف النهار والحال على حاله، وباستجابة جمال عبد الناصر لإرادة الأمة ولنداء مجلس الأمة وعودته عن الاستقالة، استعادت مصر ودنيا العرب والعالم الحر استقرارها والانصراف بقيادة جمال عبد الناصر الى البدء بورشة إعادة تكوين السلطة الحاكمة، وإعادة بناء الجيش المصري، وإستعادة قدراته التحريرية للأراضي العربية المحتلة تطبيقاً وتنفيذاً لمقررات مؤتمر الخرطوم: - لا صلح - لا مفاوضات - لا اعتراف - وشعار عبد الناصر الذي صار نهجاً استراتيجياً: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، في وقت كانت العروض (عروض الترغيب والترهيب) تنهال على عبد الناصر بأن باب المفاوضات مفتوح مع إسرائيل بحيث تعاد سيناء الى مصر مقابل توقيع اتفاقيات عدم اعتداء حيث كان الرد عند عبد الناصر، إعادة الضفة الغربية والجولان وقطاع غزة قبل إعادة سيناء.

وجمال عبد الناصر وبانصرافه بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي الى إعادة بناء الجيش المصري والوصول الى يوم التحرير الموعود، اندلع القتال في عمان بين الجيش الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية، فهبّ عبد الناصر لإيقاف هذه الحرب، وبعد كرّ وفرّ ولقاءات ومباحثات استغرقت الوقت كله وانتهت بعقد قمة عربية في القاهرة حضره على الأخص ملك الأردن ورئيس منظمة التحرير الفلطسنية ياسر عرفات «أبو عمار» توصلت الى وقف المعارك في الأردن. وبعد سفر الوفود العربية وتوديعها في المطار شخصياً من قبل جمال عبد الناصر وبعد ما فرغ من هذا الواجب بتوديع رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية سارع وطلب السيارة الى حيث هو في أرض المطار وعاد مباشرة الى المنزل وهناك بعض الأطباء الذين حضروا مسرعين وقاموا بما تيسّر ولكن القدر كان بالمرصاد وكان الانتقال الى الرفيق الأعلى فـ (إنا للّه وإنّا إليه راجعون).

مات جمال عبد الناصر مساء يوم 28 أيلول 1970 فماتت معه الثورة المصرية التي ولدت معه في 23 تموز 1952. نعم وبكل تأكيد!! فالمجد والخلود لحركة الضباط الأحرار ومؤسسها جمال عبد الناصر في الجيش المصري.

أما نحن الجيل الذي قدّر له معايشة جمال عبد الناصر ومعايشة ثورة 23 أيلول 1952 فقد أرّخنا شاعر العرب والعروبة الراحل نزار قباني بقوله: «وعندما يسألنا أولادنا، من أنتم؟ في أي عصر عشتم، في عصر أي ملهم؟ في عصر أي ساحر؟... نجيبهم في عصر جمال عبد الناصر». الله ما أروعها شهادة أن يوجد الإنسان في زمان عبد الناصر.

 

* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب

المصدر :اللواء