الاثنين 30 آب 2021 13:26 م

تابو الطائفية فتيل متنقل.. والاستثمار سياسي؟! وفاء ناصر


* جنوبيات

فيدرالية، تهجير قسري، بداية التقسيم على أساس الأقاليم، فتنة شيعية مسيحية/مسيحية اسلامية، ميليشيا، حرب أهلية، أكذوبة العيش المشترك... عبارات تفلتت عفويا من قيود الوعي وتداولت على الألسن في حمأة الاشكال الذي بدأ فرديا بين أبناء بلدتين جارتين ترافق مع أحداث متفرقة في مناطق لبنانية مختلفة، قابلتها عبارات الاستنكار والشجب والتضامن الآلي وتأكيد على حسن الجوار.

متذرعا بالحاجة الى المحروقات استقر العنف على محطات البنزين ووجد في الانتظار فتيلا جاهزا لإشعال الفتنة التي لا تنفك تتحيّن الفرص لتنتشي على وقع أنين الموجوعين.

وما الإشكالات التي شهدتها مناطق لبنانية متنوعة والتي وصمتها الدماء بالعار والخزي والجهل والطائفية إلا سببا لأزمة مفتعلة كان يمكن تجنبها لولا ممارسة الاحتكار من قبل الشركات من جهة والتهويل بفقدانها من جهة ثانية إضافة إلى فساد المواطنين وامتهان أسلوب التجارة غير المشروعة في السوق السوداء والتي تصب في خانة "الحرام" من جهة ثالثة.

وفي ظل تكرار الإشكالات الفردية والاعتداءات من قبل "الزعران" للاستفادة ماليا من هذه المرحلة تبرز مشكلة أصحاب الدراجات النارية حيث يتمنع أصحاب بعض المحطات عن تزويدهم بالوقود لأسباب تنظيمية أو اعتباطية. علما أن وسيلة النقل هذه يتم اعتمادها بدل السيارات لوفرة مصروفها من ناحية ولسرعة تلبيتها الحاجات الفردية من ناحية ثانية، وأيضا كونها مصدر رزق لعدد من الأشخاص يمارسون مهنة الديليفري.

بعض المحطات حاولت معالجة هذه المشكلة عبر تخصيص أيام محددة لهم أو خط انتظار خاص بهم. أما محطات أخرى فكانت تمارس الفوقية والكيدية والإستنسابية إلى جانب التحايل أحيانا. ومحطات أخرى إلتزمت بتأمين هذه المواد لأبناء البلدة فقط، وهذا هو الحل الأمثل حاليا لتخفيف الاحتقان بين المناطق المجاورة سيما تلك التي تتغنى بالعيش المشترك لحين انتهاء أزمة المحروقات حتى لا تصبح شماعة الفتنة الأهلية.

ورغم كل ما يجري تبقى *ردة فعل المواطنين العنفية غير مبررة والغاية قد تكون سياسية *.

في مقابل السياسات المعتمدة من قبل أصحاب المحطات والبلديات لتنظيم حسن سير عملية التعبئة والحفاظ على الأمن تتسلل الضغوطات المعيشية ومن خلفها المصلحة الفردية لتتأبط وعي المواطن وتدفعه لتصرفات غير أخلاقية ولا تمت للمواطنية بصلة.
ردات فعل كانت ستشعل فتنة شيعية مسيحية لولا ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من قبل أهالي مغدوشة وحملة تضامن كبيرة من ابناء بلدة عنقون والبلدات المجاورة لهما ولولا جهود المعنيين الذين تأخروا في إيلاء هذه المشكلة أهمية منذ بدايتها على اعتبار أنها حدث عابر وانتهى. 

والنتائج المأساوية التي ظهرت إثر ذلك من اعتداء جسدي ونفسي على المواطنين والمحلات والمزارات الدينية وإضرام النيران ورمي النفايات والأحجار لتسكير الطريق العام الذي يربط بين البلدتين من قبل مجموعة شبان تُظهر بشكل لا يقبل الشك انعدام المواطنية والوعي عندهم إضافة إلى الإنتماء السياسي الأعمى الذي ما لبث أن رفع الغطاء عنهم. ويثبت أهمية دور التربية المدنية والمجتمعية والاخلاق الدينية في هذا الوقت تحديدا لان مستوى التربية ومنسوب الأخلاق في تضاؤل مستمر ويؤكد فشل عملية التلقين التي دأبت المدارس على اعتمادها. 

وهنا لا بد من الاستفسار عن التوقيت المريب لهذا الإشكال والهدف منه إضافة إلى سبب التباطؤ السياسي في حل المشكلة.  
فهل ما جرى هو تصويب سهام سياسية باتجاه حزب سياسي آخر لإثبات القوة الشعبية وما يمكن أن تفعله في حال تجنبها؟ هل خلط الأوراق الإقليمية أثّر على دور جهة ما فأرادت اظهار ثقلها داخليا؟ أم العكس هو الصحيح أي أن الشارع لا يمكن ضبطه سوى بالحل السياسي؟

وإذا كان الهدف من هذه الأحداث المشبوهة تثبيت القوة بالظهور الغوغائي فهل الوقت مناسب لذلك في ظل المآسي التي نعيشها؟ ولماذا الآن ونحن على بعد يوم من ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر الذي لطالما نادى بالتعايش الإسلامي المسيحي واعتبرها ثروة يجب التمسك بها؟

فهل هكذا تصان الأمانة؟

كثيرة هي السوسات التي تستهدف زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي بيد أن أخطرها يتمثل ب "تابو" الطائفية، تلك الكذبة الكبيرة التي تتسلل فجأة إلى اللاوعي وتنخرط في الأمور الحياتية لتتسلقها السياسة المشبوهة الهادفة بهدف تأجيج الطائفية الوطنية. وهذا بلا شك خدمة مجانية للعدو سواء أعلم مفتعلها أم لم يعلم.

المصدر :جنوبيات