السبت 25 أيلول 2021 08:18 ص

كيف تحتفل الشعوب بالاعتدال الخريفي؟


شهد كوكبنا الأربعاء حدثاً مهماً، يحلّ كلّ عام، هو اعتدال الخريف في نصف الكرة الشمالي قبل ظهور الأديان السماوية، وفي المجتمعات الزراعية الأولى، كانت الحضارات القديمة تحتفل بتعاقب الفصول ومواسم الزرع والحصاد.

وقبل احتساب الوقت وفق معادلات فلكية دقيقة، كان الإنسان القديم يتبع حركة الشمس في السماء، ومنها استلهم عبادات لا تزال موجودة في بعض البلدان حتى يومنا هذا.

بيرسيفون تعود إلى عرشها

من أشهر الأساطير الدينية المرتبطة باعتدال الخريف، عودة برسيفون ابنة الإلهة دميتر إلى عالم الأموات، حيث تقضي نصف العام، أي فصلي الخريف والشتاء، بجانب زوجها سيد العالم السفلي هاديس.

هذه الأسطورة الإغريقية الشهيرة، تجد انعكاسات لها في أساطير بلاد ما بين النهرين القديمة أيضاً، حيث كان يعتقد أن الإلهة إنانا تنزل إلى عالم الأموات، للقاء أختها سيدة العالم السفلي أرشكيجال.

قصة بيرسيفون درامية، ولكنها تلخيص الإنسان القديم لدورة الطبيعة وحركة الفصول. وبحسب الأقصوصة، منحت ديميتر إلهة الزرع الأرض نباتها وخضرتها، ولكن الإله هاديس أعجب بابنتها الجميلة بيرسيفون واختطفها، وحملها معه إلى العالم السفلي، وتزوجها وجعلها ملكته.

وحداداً على ابنتها، حرمت دميتر الأرض من النبات وتحولت المزارع إلى قفار. ولإرضاء دميتر، اتفق زيوس مع هاديس على أن تقضي برسيفون نصف العام مع والدتها على الأرض، والنصف الآخر في مملكته. هكذا، يعود الربيع عند عودتها إلى الأرض، ويحلّ الشتاء عند مغادرتها إلى المملكة السفلية.

ويعدّ اعتدال الخريف موعد رجوع بيرسيفون من زيارتها السنوية لأمها، للجلوس على العرش بجانب هاديس.

رقصة الثعبان المجنح

قبل آلاف السنين، كانت حضارة المايا في المكسيك تخصص اعتدالي الخريف والربيع للاحتفال بنزول الثعبان المجنح من السماء.

وتؤرخ عمارة المعابد الهرمية التي اكتشفت في أمريكا الوسطى، لتلك العبادات، إذ أنها صممت بطريقة تظهر ما يشبه ظلّ ثعبان متحرك عند انعكاس أشعة الشمس في وقت الاعتدال على أدراجها.

من أشهر تلك المعابد قصر تشيتشن إيتزا الشهير، في ولاية يوكاتان، جنوب شرق المسكيك، ويعد من المقاصد الرئيسية للسياح والمهتمين بدراسة حضارة المايا وعباداتها.

وبحسب الأسطورة، يختار الثعبان المجنح كوكولان (أو الثعبان ذو الريش كيتزالكواتل في تسميات أخرى)، أن يزور الأرض مرتين في العام، في موعدين ثابتين، عند اعتدال الربيع والخريف.

احتسبت حضارة المايا في عمارتها حركة الشمس ترحيباً بنزول الثعبان المجنح

ويعود الثعبان إلى الأرض للتواصل مع أتباعه، ولمنحهم نعم الزرع الخصب، والصحة الجيدة، قبل نزوله في المياه المقدسة، متجهاً نحو العالم السفلي.

تابعت حضارة المايا حركة الشمس بدقة، ونقلتها في إعجاز معماري على أدراج معبد تشيتشن إيتزا، بحيث توحي حركة الظلّ يوم اعتدال الخريف بنزول كوكولان من السماء إلى الأرض، وتظهر تموجات الأفعى المقدسة.

العبور إلى الضفة الأخرى

يحتفل البوذيون في اليابان خلال اعتدالي الخريف والربيع، بمناسبة تسمى هيغان، وتعني «العبور إلى الجانب الآخر»، ويزورون خلالها قبور أجدادهم، ويحتفون بأرواح الأسلاف.

تبدأ الطوائف البوذية اليابانية بطقوس استذكار الأسلاف قبل اعتدال الخريف بثلاثة أيام، وبعده بثلاثة أيام. ويعتقد أن انقلاب الفصول، مناسبة لتذكّر العبور عبر نهر سانزو، وهو النهر الأسطوري الذي يقال إنه يفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى.

اعتدال الخريف مناسبة لتذكر الأسلاف في اليابان

اعتدال الخريف عطلة رسمية في البلاد، يخصصها اليابانيون لزيارة قراهم وتقديم الاحترام لأرواح من سبقوهم، وتناول حلوى أوهاغي التقليدية من الأرز وهريس الفاصولياء، وهي شبيهة بحلوى بوتاموتشي الخاصة باعتدال الربيع.

مابون أو شكر الحصاد

في التقاليد الوثنية الأوروبية القديمة، نجد الكثير من الاحتفالات التي تتبع عجلة الفصول، وحركة انقلاب الشتاء والصيف. من أشهر تلك الاحتفالات مثلاً، مهرجان سامهاين الممهد للشتاء والذي ألهم تقاليد هالوين المعاصرة.

تستلهم الاحتفالات الوثنية إيقاع الفصول في طقوسها، وتتزامن مع مواعيد الحصاد والزرع، ومن بينها مهرجان اعتدال الخريف أو مابون.

يعني طقس مابون تقديم الشكر للحصاد، وهو واحد من بين أربع مناسبات سنوية تتزامن مع مهرجانات حصاد المواسم. والكلمة مشتقة من مابونوس وتعني «الابن العظيم» في بعض الأساطير الكلتية، تيمناً بإله أسطوري شهير عرف في شمال بريطانيا، وفي التقاليد الشعبية في ويلز، ويعد إله النور، وابن الأرض الأم.يعيد الوثنيون الجدد في بريطانيا إحياء طقوس الاحتفاء بتعاقب الفصول ومواسم الزرع والحصاد

يشبه الاحتفال ما يعرف لدى الأمريكيين بعيد الشكر، ويعيد الوثنيون الجدد في عدد من الدول ومن بينها بريطانيا، إحياء تقاليد هذا العيد القديم من خلال التعبير عن الامتنان للطبيعة الأم على منحها الفاكهة للبشرية قبل أشهر البرد.

بعيداً عن الطقوس الوثنية والأساطير القديمة، تلهم حركة الطبيعة أيضاً الروحانيات المعاصرة، والأشخاص الراغبين بالتآلف مع إيقاع الأرض، لتحقيق اعتدال داخلي أعمق.

بالنسبة لهؤلاء، اعتدال الخريف هو موعد للبدء بإبطاء الحركة، والاستعداد للعودة إلى الداخل، تيمناً بانكفاء الطبيعة، وهدوء إيقاعها، واستعدادها للنوم في فصل الشتاء.

هذا الانكفاء هو موعد سنوي للبحث في عالمهم الداخلي عن مكامن الحكمة، عندما تهدأ الحاجة للخلق والعطاء وإنبات الثمر في فصل الصيف.

المصدر :اللواء