الأحد 17 تشرين الأول 2021 15:45 م

"عندما نبكي الطفولة".


* جنوبيات

بالأمس غادرنا إلى عالم البرزخ والإيقان الطفل مهنّد حسام الحلو ابن الأحد عشر ربيعًا إثر حادث أليم يدمي القلب ويبكي العيون ويشجي حنايا الروح بألم الفراق، وهو حفيد عديلي وابن عمّي الحاج عزت الحلو.

هذا الطفل المفعم بالعفويّة وبوهج نور الحياة، لم يكن يعلم أنّ اللعب في الحقول الخضراء وتحت قسمات الشمس الساطعة وبين الورود والأزهار سيخطف منه الفرح والسعادة وهو يحاكي نسمات الخريف، في لحظة أسرع من ومض البرق، فيسقط في بئر اللامبالاة المغطّى بالاهتراء الخادع والفاجع، وتسقط معه الطفولة البريئة المضرّجة بدماء الدهشة والوحشة والصمت الرهيب. 

أنبكي الطفولة أم نبكي أنفسنا في زمن القهر والخذلان والنفاق والحرمان، في زمن اللامسؤوليّة على كلّ الصعد والمستويات الحياتيّة والبنيويّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتربويّة والصحّيّة والنفسيّة، والحرمان من الحدّ الأدنى من الحقوق الإنسانيّة. 
أيّها المهنّد في عالم الحقّ، ستفتقدك المروج الخضراء، وملاعب الصفاء، وعطور الورود والأزهار. ستفتقدك نسائم الصيف الملفوحة بوهج الشمس الدافئة. وكما افتقدك الخريف بنسماته الباردة، سيفتقدك الشتاء القادم حيث الثلوج المتراكمة تذرف دموعها على طفل لم يبلغ الحلم الذي يعيشه كلّ طفل في سنوات عمره القادمة. وعندما يأتي الربيع، ستكون شقائق النعمان على موعد مع المهنّد، وبلونها الأحمر القاني تعبّر عن حزنها لفراق صديقها الغافي تحت سطح الأرض.

سيفتقدك إخوتك والحزن يأخذ منهم مأخذ القسوة على عمر ضاع في بلد الأوجاع. 
سيفتقدك رفيقك الدائم الأخ عبد المالك الذي سيفتّش في خبايا البيت عن طيفك، علّه يخفّف من دموع الفراق وألم الحرقة.
سيفتقدك شقيقك الأصغر تاج الدين الذي كنت له العضد والسند في عالم خالٍ من حقوق الطفل. 
ستفتقدك أختك الصغرى فاتن التي كنت تلاعبها وتجلب السرور لقلبها. 
سيفتقدك والدك المفجوع والموجوع، وأمّك الثكلى التي تتقطّع ألمًا لفراقك. 
سيفتقدك الفرح نفسه حيث كنت تفضي عليه من عطايا سرورك ما يبهجه. 
سنفتقدك جميعًا يا مهنّد، سنفتقد ضحكتك البريئة، وجوّ الفرح والسعادة الذي كان يفرضه حضورك المحبّب إلى القلب. 
ولن نقول على الله إلّا ما يرضيه، وعزاؤنا بقدوتنا الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما فقد فلذة كبده إبراهيم، فحمد الله على قضائه وقدره وقال: "إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليخشع، وإنّا على فراقك لمحزونون".

إلى جنان الخلد يا مهنّد، حيث النعيم المقيم، وحيث السعادة الدائمة، وحيث الرضى بفضل الله وعطائه الدائم. 

المصدر :جنوبيات