الاثنين 23 أيار 2022 11:44 ص

ولاية ماكرون الرئاسية الثانية.. مُهددة بأكثرية نيابية يسارية!


* جنوبيات

هل يجتاز الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون "القطوع الانتخابي النيابي" في الانتخابات التشريعية المقررة على جولتين في 12 و19 حزيران/يونيو المقبل وينال حزبه "الجمهورية الى الأمام" ("النهضة" بتسميته الجديدة) الأكثرية البرلمانية، ام انه سيضطر الى "التعايش" مع أكثرية يسارية جديدة في اطار "حكومة مساكنة"؟ هذا السؤال يستدرج أسئلة أخرى قبيل حوالي ثلاثة أسابيع من موعد الجولة الأولى من الإنتخابات: هل سيتمكن ماكرون من الاحتفاظ بالاكثرية في المجلس النيابي الجديد وبالتالي المضي في تنفيذ الاصلاحات التي وعد بها الفرنسيين عشية تجديد ولايته لمدة خمس سنوات، ام ان هناك فرصاً جدية لقوى اليسار المتحالفة للفوز في المعركة المقبلة؟ اكتملت الاستعدادات لهذه الإنتخابات وبدا المشهد واضحاً بعد ان حسم ماكرون موضوع تشكيل الحكومة الجديدة وحددت القوى السياسية المعارضة يميناً ويساراً مواقفها في مواجهة الاستحقاق السياسي الأول بعد الانتخابات الرئاسية التي شهدتها فرنسا في نيسان/ابريل الماضي.

حكومة الاستمرارية أراد ماكرون من خلال اختيار إليزابيث بورن وزيرة العمل سابقا في حكومة جان كاستكس إحداث “خرق سياسي ما” كونها امرأة (وهي الاولى كرئيسة للوزراء منذ ثلاثين عاماً)، ومن ثم انتمائها إلى أوساط اليسار ونجاحها في إصلاح نظام التأمين ضد البطالة مع كفاءة في عملية التواصل مع النقابات العمالية. لكن تشكيل الحكومة والكشف عن اسمائها لم يحدث اي مفاجأة نظراً لافتقادها الى عنصر التجديد في الوجوه من خلال محافظة وزراء أساسيين (الاقتصاد والمال والداخلية والعدل) على حقائبهم مما دفع اوساط معارضة الى القول “لا جديد في كوكب ماكرون”! وقد حصدت الحكومة الجديدة انتقادات لاذعة من المعارضة، يمينية كانت ام يسارية، واعتبرتها “استمرارية لسابقتها وغير قادرة على مواجهة التحديات وتنفيذ الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة”، اضافة الى خلوها من إشارات بيئية لافتة للإنتباه. إنتقادات اليمين المتطرف طالت وزير التربية الجديد باب ندياي (من اب سنغالي وأم فرنسية) بسبب مواقفه السياسية والاجتماعية السابقة (كلامه عن العنصرية البنيوية في المجتمع الفرنسي) و”البعيدة عن مبادىء وقيم الجمهورية”.

وزاد الطين بلة ما كشفه موقع “ميديا بارت” الاخباري الالكتروني بشأن قضية اتهامات اغتصاب وجهتها امرأتان لوزير التضامن والمعاقين داميان أباد المعين حديثاً في الحكومة الجديدة. وقد نفى اباد هذه الاتهامات بالعنف الجنسي، وأوضح أن إعاقته، وهي مرض يسمى اعوجاج المفاصل يؤثر على أطرافه الأربعة، تجعل من المستحيل عليه جسديا ارتكاب الأفعال التي اتُهم بها. وردا على طلب للتعليق على الاتهامات الموجهة لأباد، قالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن إنها لم تكن على علم بها عندما انضم إلى الحكومة، وأضافت أن حكومتها ستتحمل عواقب تعيين أباد “إذا جدّ جديد وفُتحت قضية جديدة”!

وزيرتان جديدتان “لبنانيتان”!

 

الأولى هي وزيرة الثقافة ريما عبد الملك. “لبنانية الأصل والانتماء” (من بلدة شيخان في قضاء جبيل). هاجرت مع والديها الى فرنسا بعمر العشر سنوات واستقروا في مدينة ليون حيث تابعت عبد الملك دروسها الثانوية والجامعية ثم تنقلت في عدة مراكز ومناصب ثقافية وآخرها مستشارة الثقافة والتواصل الرئاسية في قصر الاليزيه. وهناك إجماع في الإشادة بما تتمتع به عبد الملك من “صفات معرفية عالية وقدرات مهنية فاعلة”.

 

أما الثانية فهي كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الجديدة. “لبنانية الاختصاص” لمعرفتها الجيدة بلبنان ومتابعتها قضاياه عن قرب على مدى سنوات من خلال المناصب التي تنقلت فيها، أولاً كناطقة باسم وزارة الخارجية ثم كمستشارة وناطقة باسم الرئيس جاك شيراك في قصر الاليزيه على مدى تسعة اعوام (وهي رافقته في زياراته المتعددة الى بيروت). كما انها اهتمت غداة العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006 بصفتها وزيرة منتدبة للشؤون الاوروبية بتأمين المساعدات الانسانية الطارئة للبنان (مؤتمر استوكهولم في ايلول/سبتمبر 2006). وهي شددت منذ ذلك الحين على “ضرورة مساعدة لبنان في عملية انهاضه وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منه واهميته في استقرار المنطقة”.

تفكك اليمين وتحالف اليسار ما هو واقع المعارضة عشية الانتخابات النيابية؟ مشهدان متناقضان اظهرتهما الاسابيع الاخيرة. على صعيد أحزاب اليمين، يتميز المشهد بالتفكك والتشرذم. من جهة، رفض حزب “الجمهوريون” اليميني المعتدل التعاون مع حزب ماكرون والتنسيق في معركة الانتخابات النيابية (خصوصاً للحد من المنافسة بينهما بين الجولة الاولى والجولة الثانية) مشدداً على التمسك بـ”استقلالية” قراره وتحركه والبقاء في صف المعارضة. من جهة أخرى، رفض حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد بقيادة مارين لوبن التحالف الذي عرضه عليه اريك زمور رئيس حزب “الاسترداد” اليميني المتطرف.

 

وهكذا ستذهب احزاب المعارضة اليمينية الى خوض الانتخابات النيابية كل منها بمفردها مما سيضعف موقفها ويقلل من فرص فوز مرشحيها.

 

أما على صعيد أحزاب اليسار، فقد تمكن حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتطرف بزعامة جان – لوك ميلونشون من قيادة تحالف لأحزاب اليسار الثلاثة وهي الحزب الاشتراكي وحزب “الخضر” (انصار البيئة) والحزب الشيوعي في الانتخابات التشريعية المقبلة، تحت راية واحدة وبرنامج واحد مع توحيد المرشحين بما يضمن له الفوز باكبر نسبة من المقاعد.

ولا يخفي ميلونشون طموحه في انتزاع الاكثرية النيابية في المجلس النيابي الجديد التي ستطرح اسمه لتشكيل حكومة يسارية جديدة تتعايش وتتساكن مع ماكرون خلال السنوات الخمس المقبلة. ويبدو ان هذا التحالف يعول على المزاج الشعبي الفرنسي بغية تطويق الولاية الثانية لماكرون وعدم تمكينه من حصر كل السلطات بين يديه. فهل سينجح تحالف قوى اليسار وتتحقق توقعات ميلونشون بان عمر حكومة إليزابيث بورن الجديدة “لن يتجاوز الشهر الواحد”، ليحتل مكانها في مقر رئاسة الوزراء في “اوتيل ماتينيون”؟ كثيرون من المراقبين السياسيين والخبراء الدستوريين يرون ان النظام الانتخابي الحالي والتركيبة السياسية يقللان من فرص تحقيق هذا السيناريو، إلا انهم لا يستبعدونه في المطلق معتبرين ان كل الاحتمالات تبقى واردة والتجارب السابقة تبقى خير دليل على ان خيار التعايش والمساكنة بين رئيس للجمورية من لون سياسي معين ورئيس للوزراء من لون مناقض ممكن وغير مستحيل، كما ان تردي الأوضاع الحالية قد يساهم في زيادة فرص حصوله.. والانتظار لن يطول اكثر من شهر واحد!

 

 

 

المصدر :جنوبيات