الجمعة 1 تموز 2022 09:27 ص

بالنظام - الفصل بالاتجاهين


* جنوبيات

 

Une Eglise prétendant se désintéresser des questions temporelles n’irait pas au bout de sa vocation; et un président de la République prétendant se désintéresser de l’Eglise et des catholiques manquerait à son devoir.
Emmanuel Macron

من المواضيع الشائكة التي التبست على كثيرين في لبنان موضوع تعاطي رجال الدين في الشؤون العامة. وفي كل مرة يُثار النقاش أو يحتدّ حول مسائل لها أبعاد أخلاقية وسلوكية أو حول النظام الطائفي وانحرافاته، تجد من يمنع على هؤلاء الحق بالإدلاء بمواقفهم.

حتى الذين بنوا وجودهم من خلال الاستثمار في هذا النظام، يلقون كرة النار في ملعب رجال الدين عبر لومهم بأنهم يتدخلون بالسياسة أو يعيقون تطور الدولة بفعل إمساكهم بالأحوال الشخصية. وهذا حرف للأنظار عن مكمن الخلل هدفه إنهاء النقاش وتمديد قواعد العمل السياسية الطائفية. فالأحوال الشخصية الخاصة بكل طائفة والمحاكم الدينية التي تفصل بأمورها، ولئن كانت بحاجة إلى إعادة نظر في دورها وممارساتها، فهي ليست السبب الذي أدى إلى سيطرة عدد من الأشخاص على مفاصل الدولة واستنفاد مواردها وإيصالها إلى الانهيار الكبير. والعنف الطائفي لا يأتي من كون اللبنانيين يتزوجون بطرق مختلفة، بل لأن تعبئتهم في الصراعات، من قبل رجال السياسة، تتم بالوسيلة الأسهل وهي العصب الطائفي.

في اجتهاد بالغ الأهمية ، كرّس المجلس الدستوري في العام 2000 مبدأ فصل شؤون الطائفة عن تدخلات رجال السياسة الذين ينتمون إليها ويشغلون المواقع المخصصة لها في مؤسسات الدولة السياسية، وذلك عندما قضى بإبطال قانون يعطي للنواب من طائفة معينة أن يشتركوا بانتخاب رئيس الطائفة التي ينتمون إليها. فالنواب يمثلون الوطن بأسره وليس الطائفة التي ينتمون اليها فحسب.

إن أهمية المنطق الذي اعتمده المجلس الدستوري تكمن في أنه وضع أول قاعدة من قواعد فصل الشأن العام عن الشأن الديني وهذا الفصل ينبغي أن يكون بالاتجاهين لكي تعود الأمور إلى نصابها القانوني الصحيح وتنتظم الشؤون العامة في البلد.

إن الحقوق السياسيّة وإن كانت ما تزال موزّعة بصورة طائفيّة في لبنان، لكن الطوائف كأشخاص معنويّين ذوي كيان قانونيّ بحسب القرار التشريعيّ رقم 60/ل.ر الصادر سنة 1936، ليست هي من تمارس هذه الحقوق أو تتصرّف بها، بحيث يجب أن يكون واضحاً أنّ الطائفة ككيان دينيّ ليست لها حقوق سياسيّة، إنّما الأفراد أو المواطنون المنتمون إليها. وبالتّالي، لا كلمة للمؤسسة الدينية في إدارة الشأن العام بالمعنى الدستوريّ.

هذا لا يعني بالمقابل بأن رجل الدين يُحرم بنتيجة ذلك من دوره في رفع مستوى النقاش في الشؤون العامة والتحذير من المخاطر التي تطال عموم اللبنانيين أو من الاهتمام بمعاناتهم. فالدستور يضمن هذا الحق وهذه الحرية للجميع ولا يجوز لأي كان تحت عنوان محاربة الطائفية أن يتذمر من تعبير رجال الدين عن آرائهم. وهم ينطبق عليهم كمواطنين ما ينطبق على غيرهم من واجب عدم التفرقة على أساس فئوي وأن يتحملوا النقد السياسي إذا ما دخلوا في الخلافات السياسات اليومية. 

في خطابه أمام مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في فرنسا سنة 2018 طالب الرئيس ماكرون الكنيسة وسائر المؤسسات الدينية في بلاده بالانخراط في مناقشة الشؤون العامة. هذا في فرنسا حيث قانون العلمنة لسنة 1905 يُعرف بأنه من أكثر القوانين صرامة في فصل الدين عن الدولة. كيف لك أن تقول بعكس ذلك في بلد كلبنان ينتمي مواطنوه إلى جماعات ذات تكوين ديني تاريخي لا يمكن إلغاؤه.

المطلوب الفصل بين الشأن العام والشؤون الدينية، وإقامة المساواة بين اللبنانيين في شؤونهم العامة، في مقابل حفظ جماعاتهم الدينية وضمان حق المواطنين بالانتماء أو عدم الانتماء إليها. وبذلك تكون تلك الجماعات مصدر غنى وضمانة أخلاقية ووطنية.

المصدر :النهار