الاثنين 5 أيلول 2022 10:21 ص

«الصهيونية» تُجدد اللقاء بعد 125 عاماً في «مكان الولادة» بازل .. دوافع وهواجس إسرائيلية لعدم عقد المُؤتمر في فلسطين المُحتلة!


* جنوبيات

أعادت «المُنظمة الصهيونية العالمية»، تنظيم عقد «المُؤتمر الصهيوني»، تزامُناً مع مرور 125 عاماً على عقد «المُؤتمر الصهيوني الأول»، في 29 آب/أغسطس 1897.

لم يكن عبثياً اختيار المكان والتاريخ ذاته، الذي شهد عقد المُؤتمر في مدينة بازل السويسرية، وتحديداً في قاعة «شتاتكاسينو»، مُركزاً على استرجاع مُصطلح «الصهيونية»، بعدما طغى سماع كلمة «حالمٍ أو واهم!».
أكثر من 1400 مُشارك من رجال وسيدات أعمال واقتصاد يهود، توافدوا من مُختلف أقطار العالم إلى مدينة بازل، ليُشاركوا على مدى 3 أيام، في جلسات سرية، بالمُؤتمر، الذي أُقيم وسط إجراءات أمنية مُشددة، اتخذتها الشرطة والأجهزة السويسرية، فاقت كلفتها 5.85 مليون دولار أميركي، مع توقُف الملاحة الجوية من وإلى بازل لمُدة يومين، وإجراءات اتخذتها أجهزة المُخابرات الإسرائيلية.
فيما تكفلت بمصاريف المُؤتمر «المُنظمة الصهيونية العالمية» بالتعاون مع «الرابطة السويسرية للجاليات اليهودية».

المُفارقة أنه حينما دعا مُؤسس «المُنظمة الصهيونية العالمية» تيودور هرتزل - قبل أن يُصبح رئيسها التأسيسي - إلى عقد أول «مُؤتمر صهيوني»، كان اختيار مدينة بازل السويسرية، مكاناً لذلك، والتوصية بـ»إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين»، عُمل على مدى 51 عاماً، على تحقيق الحلم اليهودي فأُعلن عن قيام الكيان الإسرائيلي المُغتصب لأرض فلسطين في العام 1948، والقائم مُنذ 74 عاماً.
عندما عُقد «المُؤتمر الأول» قبل 125 عاماً، لم يكن هناك كيانٌ غاصب على أرض فلسطين، أما الآن فالكيان قائم، لتًطرح التساؤلات: ما هي أسباب ودوافع وخلفيات عدم عقد الآن على الأرض الفلسطينية المُحتلة؟!
«الدولة اليهودية»
يأتي عقد المُؤتمر مُؤخراً:
- بعد إعلان «الدولة اليهودية»، التي لا وجود فيها إلا لمن هو يهودي، والآخرون حتى الفلسطينيين، أصحاب الأرض الحقيقيين، مُواطنون من الدرجة الثانية، عليهم واجبات ولا يتمتعون بالحقوق ذاتها، التي يكتسبها اليهود المُستجلبين من أصقاع المعمورة.
- أن الصهاينة يعيشون «عدم استقرار سياسي» (تحل «إسرائيل» في المرتبة الـ111 وفق التصنيف الذي يضم 192 دولة)، على الرغم من إعلان «الدولة اليهودية»، والقدس عاصمة مُوحدة للكيان الغاصب، لكنهم على يقين داخلي، بأنهم ليسوا أصحاب الأرض الحقيقية، وليسوا مُطمئنين إلى انعقاد هذا المُؤتمر فوق الأرض المُغتصبة، لأن الفلسطينيين ما زالوا يُقدمون التضحيات من أجل أرضهم وحُقوقهم، وكل يُناضل وفق الطريقة التي يُمكنه القيام بها، ويُنفذ ما يُخطط له بنفسه، ليُفشل مُراقبات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية!
فقد أثبت الفلسطينيون، دحضهم لمقولة ديفيد بن غوريون «إن الكبار غداً يموتون والصغار ينسون»، فإذا بهم يتمسكون بحقهم بأرضهم وبالعودة والدفاع من أجل وطنهم بكل ما يملكون.

- في ظل حالة التأزم داخل المُجتمع الإسرائيلي، الذي ينحو أكثر إلى مزيد من التطرُف اليميني، وهو ما انعكس بين أحزابه السياسية، ومسؤوليه تسابُقاً بالإمعان بسفك الدماء الفلسطينية وهضم الحقوق.
- تُرجمة للانقسام الإسرائيلي بين يهود شرقيين، يهود أشكناز (أوروبا) ويهود أفارقة، وبين مُتدينين (الحريديم) وعلمانيين، وبين مُستوطنين ومُحتلين داخل الخط الأخضر، وبمُواجهة تيارات ضد الصهيونية في مُقدمها «حركة ناطوري كارتا» و»تيار المُؤرخين الجُدد».

- إمعان الاحتلال بنقل أزماته بارتكاب المزيد من الجرائم والتهويد والاستيطان في القدس والضفة الغربية، وحصار قطاع غزة، ورفض عودة اللاجئين، الذين اقتُلعوا من أرضهم إليها، وفقاً للقرار الدولي 194.
ما يُؤكد حالة التشرذم داخل الكيان الإسرائيلي، التوجُه لإجراء الانتخابات العامة لـ«الكنيست» في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، للمرة الخامسة خلال أقل من 3 سنوات.

هذا في وقت يسعى فيه المسؤولون الصهاينة، إلى التسويق أمام العالم، مظلومية المُجتمع الإسرائيلي، لتأليب الرأي العام ضد الشعب الفلسطيني وقياداته، وليس استغلال الحملة ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بما تحدث عنه خلال زيارته ألمانيا عن مذابحٍ نُفذت بأيدي المُحتل الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، إلا دليلاً على تزوير الحقائق.

يعتبر «الصهاينة» أن «الدولة اليهودية» أصبحت أمراً واقعاً، وتحقق الحلم بإقامتها، وها هي تستعد للاحتفال في العام المُقبل بالذكرى الـ75 لإقامتها على حساب نكبة الشعب الفلسطيني، والسعي القائم لتحويلها إلى «دولة يهودية».
لكن، هم لم يحددوا حتى الآن الحدود الجغرافية للكيان الغاصب، ولا يُؤمنون بفكرة حل الدولتين، وفق القرار الدولي 181 الصادر في العام 1947، ولا بدولة واحدة يعيش فيها الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل بتكريس ما جاء في «وعد بلفور» في العام 1917 وإعلان «صفقة القرن» في العام 2020، بأن هناك «دولة يهودية» عُنصرية تقوم على سياسة «الأبارتهايد»، حق المُواطنة فيها فقط لليهود.
استرجاع مُصطلح «الصهيونية»!

في العودة إلى المُؤتمر، فقد ركّز المُشاركون فيه على 2000 عام في المنفى، وما تعرضوا له من «هولوكوست» في مُحاولة للتأكيد على دفع اليهود في العالم - البالغ عددهم حوالى 15 مليون نسمة، غالبيتهم يُقيمون في الولايات المُتحدة الأميركية - إلى الانتقال إلى الكيان الإسرائيلي والمُشاركة في الحياة السياسية فيها، على اعتبار أن «الصهيونية» هي قصة حلم الشعب الإسرائيلي في «دولة صهيون» المزعومة، وأن «إسرائيل»، هي النموذج لذلك، وهي جُزء من الصهيونية.

تقدم المُشاركين في المُؤتمر: رئيس الكيان الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، الذي طالب باسترجاع مُصطلح «الصهيونية» مرة أخرى، وترجمة الشعارات بصورة إيجابية، والمُشاركة بشكل فعال في تجسيد رؤية تاريخ «دولة إسرائيل»، بعدما تحقق الحلم الذي تحدث عنه هرتزل.

كذلك، رئيس جهاز «المُوساد» السابق يوسي كوهين، الذي شدد على أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي يُعتبر جُزءاً من «الصهيونية» المُتحققة في «إسرائيل»، وساهم في توجيه ضربات إلى أعدائها.
وكان من بين المُشاركين الحاخام الأكبر في أوكرانيا آزمان، الذي لم يحل وقف رحلات الطيران بين أوكرانيا وسويسرا من مُشاركته، حيث وصل بالقطار مع زوجته، داعياً إلى تشجيع اليهود رجالاً ونساءً للهجرة إلى «أرض الميعاد».
أيضاً شاركت شارلي بينتو، أول نائبة صماء في «الكنيست»، التي اعتبرت أن كل مُساهمة للتعايُش في «إسرائيل» تُعد مُساهمة في تحقيق «الصهيونية».

لا شك أن اختيار عقد المُؤتمر في بازل، رسالة من «الصهيونية» إلى أوروبا باستجداء استمرار دعمها، لما قامت به من دعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي تحت ذريعة «الدين والتوراة»، علماً بأن «الحركة الصهيونية» علمانية.
ومُطالبةً بدعم المشروع الصهيوني غير المُحدد، سياسياً، مادياً وعسكرياً، تأكيداً على الشعار الذي رُفع سابقاً «إذا أردتم فلن يظل حلماً»، وهو شعار ما زال مرفوعاً، لكنه يُواجه باستمرار مشروع التحرر الفلسطيني، الذي سيُفشل المُخطط الإسرائيلي الصهيوني.

المصدر :اللواء