السبت 29 تشرين الأول 2022 15:19 م

"ميلاد" أوّل مَنْ وُلِدَت بنطفةٍ مهربّةٍ..


* جنوبيات

تمكّن الأسير في سجون الاحتلال وليد دقة من احتضان ابنته (ميلاد) للمرّة الأولى منذ ولادتها، بعد أنْ تمّ السماح للأطفال بالدّخول للزيارة وبعد انقطاعٍ لمدّة ثلاث سنوات.
ميلاد لم تدُم في حضن والدها لأكثر من دقيقةٍ واحدة، الأمر الذي شبّهه الأسير بقصّة أسرى “نفق الحرية” الذين تمكّنوا من التحرّر لأيامٍ فقط.. قبل أن يُعاد اعتقالهم، قائلاً: “اليوم صار فيي مثل ما صار بالأسرى إلي حفروا النفق.. وانمسكوا”.

زوجة الأسير سناء سلامة، قالت إنّ ابنتها ميلاد بكت عند احتضانها من قبل والدها، فالطفلة لم يسبق وأن رأته، وربّما لم تتشكل لديها معنى كلمة أنّ والدها أسير لدى أبشع قوةٍ قائمةٍ بالاحتلال على مرّ التاريخ.
لا يخطر في بالٍ أحدٍ منا شعور وليد وهو يرى نفسه سببًا في بكاء ابنته، وكم من سؤالٍ انطلى على نفسه حينها، وكم من لعنةٍ خرجت من قلبه لمن يأسر حياته ومشاعر طفلته تجاهه، فمن حالةٍ من المفترض أنْ يكون الشخص الأكثر تعلقًا به، إلى حالةٍ تبكي لأنه احتضنها، ربّما هذه توجز بشاعة الأسر والاحتلال.
ميلاد كانت مُتلهفةً لرؤية والدها، امتدادًا لما كانت تُحدّثها عنه والدتها (سناء)، حتّى وعند وصولها للسجن، لم تكن خائفةً بل منتظرةً لقاء وليد، إلّا أنّ أوضاع الزيارة التي تُخيف الكبير قبل الصغير، حيث السجانون منتشرون في الأرجاء، أبوابٌ حديديّةٌ ضخمةٌ تُحيط الأسرى، فما لنا من طفلةٍ ترى والدها بين هذه المشاهد أن تشعر سوى بخوفٍ ورعبٍ، وهو ما حصل لميلاد، بحسب ما روت والدتها خلال حديث مع “بوابة الهدف الإخبارية”.
وقالت سناء إنّ ميلاد رأت تلك المشاهد، ومرّت من بين السجّانين وحدها حيث لم يتم السماح لها بالدّخول، وحاول السجّان حملها إلّا أنّ والديها رفضا ذلك، وهذا ما شكّل حالة الخوف الأولى لديها، وصولاً إلى حملها من شخصٍ تراه للمرّة الأولى في حياتها، هو ما أبكاها، كما أنّهما اتفّقا على ألّا تمكث سوى “الدقيقة” حفاظًا على مشاعرها كطفلةٍ على الرّغم من السماح لها بعشر دقائق.
وأضافت زوجة الأسير وليد دقة أنّ “ميلاد لم يكن لديها أيّ مانع من الزيارة، بل وكانت متشوقة لها وهذا ما تبيّن لديها منذ أيام، حيث تستمر ميلاد بالحديث عن الموضوع، كما رأت أنّ ما أرعب الطفلة هو الوضع الذي تشكّل لها من الداخل، حيث أصبحت أنا من خلف البوابة لتفتكر أنّي الأسيرة وليس والدها.”

وتابعت: عندما عادت ميلاد استغرقت وقتًا حتى استعادت مزاجها مما حصل، وبعدها عادت لتتفاعل مع والدها وتتحدّث معه، مشيرةً إلى أنّ السجانين كما الاحتلال لا يعرفون تمامًا معنى “الطفل”، حيث يستمرون بالصراخ وخبط الأبواب الحديديّة، التي تُرعب حتّى الكبار أنفسهم.

وعن المشاعر المسبقة التي تكوّنت لدى ميلاد، قالت: “ميلاد واعية ومدركة وضع والدها، فأنا لم أكذب عليها، وهي تفهم أن والدها أسير، لكنه سيعود وسيكون بيننا في أقرب وقت”، وتضيف: “عند الحديث مع الأطفال بهذا السن أنّ والدها محتجز قد يؤثّر عليهم سلبًا، إلّا أنّني آخذه بالمنحى الإيجابي أنا ومن حولي، فميلاد تعرف والدها كثيراً وتقول دائماً (بابا مبيجيش عنا لأنو معندوش باب).
وختمت سناء: “ميلاد وأنا ككلّ شعبنا الفلسطيني في حالة انتظار للفرج، إلى تحرّر الأسرى من السجون، وتحرر فلسطين من الاحتلال.”

ميلاد وسناء، مثلٌ كعدةٍ من شعبنا الذين تركوا قطعًا من قلوبهم بين القضبان، تحت حكم سجّان يرأسه احتلال، لا يملكون إلّا اليقين بأنّ الفرج آتٍ وأنّ التحرّر والتحرير قريب من أعيننا، لا يحتاج إلا إيماناً وتمسكاً بتحقيقه.

والأسير المناضل والقيادي وليد نمر أسعد دقة (59 عامًا) هو من مدينة باقة الغربية، داخل الأراضي الفلسطينية عام 1948، اعتُقِل وليد برفقة مجموعة من الأسرى، وهم: إبراهيم ورشدي أبو مخ، وإبراهيم بيادسة. وجرى اتهامهم باختطاف الجندي موشي تمام وقتله من مدينة نتانيا في أوائل عام 1985، وحكم عليهم بالسجن المؤبّد مدى الحياة، بعد اعتقاله منذ 25 آذار (مارس) 1986.

ويعتبر وليد دقة أحد عمداء الأسرى داخل سجون الاحتلال، وهو معتقل منذ 25 مارس (آذار) 1986، ويقضى حكمًا بالسجن المؤبد. وهو يُعاني من عدّة مشكلات صحية، ويماطل الاحتلال في إجراء الفحوص اللازمة له أو عرضه على طبيب مختص، كحال سائر الأسرى في المعتقلات الإسرائيليّة حيث المعاناة من سياسة الإهمال الطبيّ.

(ميلاد) كسرت قيد جلاوزة الاحتلال: وكان والدها المعتقل قد بعث برسالة من سجن (جلبوع) إلى طفلته، التي ولدت من نطفةٍ مهربةٍ له، في الذكرى الأولى لولادتها قال فيها: “مَنْ يأخذ بقية عمري ويمنحني لحظة عناق لتطوقيني بذراعيك الصغيرتين.. مَنْ مسحت بكفيها الصغيرتين على قلبي فانتظم النبض وصح البدن وتلاشت عقود من الألم .. من يا مهجة قلبي ستأتي لتغفو على صدر والدها ليداعب شعرها الناعم.. إلى حبيبتي ميلاد: كلّ عام وأنت بألف خير، وعيد ميلاد سعيد”، كما جاء في الرسالة.

يُشار إلى أنّ المناضلة الفلسطينيّة، سناء سلامة، كانت قد تزوّجت من الأسير دقّة خلال تواجده في السجن، وطالبت بالسماح لها بالالتقاء بزوجها الأسير لإنجاب طفلٍ، إلّا أنّ إدارة السجون الإسرائيليّة رفضت الطلب رفضًا قاطِعًا، علمًا أنّها منحت الإمكانية للمجرم، يغآل عامير، قاتِل رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، إسحاق رابين، والمحكوم عليه بالسجن المؤبّد.

 

المصدر :جنوبيات