الأربعاء 9 تشرين الثاني 2022 09:47 ص

محفوظة أشتيه احتضنت شجرة الزيتون بعد مجزرة المستوطنين: تخيلتُ أنني في أرض المعركة وأولادي شهداء


* جنوبيات

يُمعن الاحتلال الإسرائيلي بإرتكاب المزيد من جرائمه المُتعددة، قتلاً واعتقالاً، ومُصادرة للمُمتلكات والأراضي، وتجريفاً وهدماً وسرقة، وحرقاً وقطعاً للأشجار المُعمرة، لتنفيذ مشروعه الاستيطاني وهو ما يُواجه بصمود الفلسطينيين.

تحرص الخنساوات الفلسطينيات، اللواتي يُقدمن أبنائهن قرابين في مسيرة النضال ضد المُحتل، على إفتداء الزيتون المُعمر بأرواحهن والدفاع عنه، حتى لو كان ثمن ذلك التعرّض للضرب أو الاعتقال وحتى الاستشهاد.

 

ما يُقدم عليه الاحتلال من جرائم، بقطع وحرق أشجار الزيتون، يُواجه بإعادة الزرع والغرس مراراً وتكراراً.

من منا لا يذكر صورة الحاجة محفوظة إشتيه (البالغة من العمر الآن 75 عاماً)، والتي التقطت لها بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، وهي تحتضن شجرة الزيتون، بعدما مارس المُستوطنون همجيتهم بقطعها.

صورة حظيت باهتمام لافت، طرحت حولها التساؤلات عن سر العلاقة بين أبناء فلسطين وشجر الزيتون، وأكدت أن الفلسطيني يُقدم كل ما يملك من أجل المُحافظة على عزته وكرامته.

أضحت صورة الحاجة «أم غانم» علامة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني، فاستحقت لقب «سنديانة الكرامة».

في موسم الزيتون هذا العام، بكرت الحاجة محفوظة وأبناؤها وبناتها وزوجاتهم وأزواجهم والأحفاد، لقطف الزيتون، استباقاً لاعتداء المُستوطنين عليه، كما حصل سابقاً.

تعيش الحاجة محفوظة في قرية سالم - قضاء مدينة نابلس - شمالي الضفة الغربية المُحتلة، وليس بالصعوبة الوصول إليه، فكل أهل البلدة يعرفونها.

تستعيد لحظات ما جرى قبل 17 عاماً، قائلة: «في موسم قطاف الزيتون، اعتدتُ أن أخرج وزوجي وأولادي باكراً، بعد أداء صلاة الفجر، على الرغم من الظلام الدامس، والصقيع القارس، حتى نتمكن من تجاوز الشارع الاستيطاني الذي يفصل منزلنا عن أرضنا، التي تبعد عنه، وتقع بالقرب منها مُستوطنة آلون موريه، لأن الاحتلال يمنعنا من الوصول إلى أرضنا، إلا في حالات محدودة فقط في العام، لأنه يُحاول إرهابنا لمُصادرة الأراضي ووضعها تحت أيدي المُستوطنين». تتابع مُستعيدة شريط المشهد: «بعد تعب وصلنا إلى القرب من أرضنا، فقابلنا أحد أبناء قريتنا، الذي طلب منا العودة إلى المنزل، لوجود المُستوطنين، فرفضنا ذلك، وتابعنا سيرنا، تفاجأنا بوجود عدد كبير من المُستوطنين داخل أرضنا، يحملون المناشير الكهربائية ويعمدون إلى قطع الأشجار بشكل همجي وإجرامي، فبدأ زوجي وولديّ وكل من كان موجوداً التكبير «الله أكبر»، فدبّ الرعب في المُستوطنين الذين هربوا من أرضنا».

احتضنت الزيتون كأولادي

تتنهد الحاجة محفوظة وهي تتحدث بألم وحصرة عن تلك اللحظة التي شاهدت فيها أشجار الزيتون وقد قطعها المُستوطنون، قائلة: «أسرعتُ وبدأتُ باحتضان شجر الزيتون المقطوع، كما وأنني احتضن أحد أبنائي وقد استشهد في أرض المعركة».

ظهرت الحاجة محفوظة في الصورة، وهي تُكفكف دموعها، تمسح على الشجر، وكأنها تمسح على وجه أولادها.

تضيف: «لم أستوعب هول المشهد لما حدث لأشجار الزيتون التي زرعتها مع والدي قبل نكسة حزيران/يونيو 1967، وقبل أن يُولد أولادي، ربيتها وسقيتها بعرق جبيني، وسهرت عليها الليالي، وكنتُ انتظر قطف ثمارها بفارغ الصبر».

بعد أن استفاقت الحاجة «أم غانم» من الصدمة، والنجاح بطرد المُستوطنين بشجاعة، وقفت أمام جنود الاحتلال، الذين كانوا يحمون المُستوطنين، مُوجهة بذلك رسالة «إننا باقون ولن نرحل، وسنعيد الزرع».

حكاية الحاجة محفوظة مع شجر الزيتون كاسمها محفور به، فهي تعرف كل التفاصيل المُتعلقة به، كما تُربي أولادها الذين رزقت بهم بعد زرع الأشجار، وبلغ عددهم كما أشهر السنة «4 صبيان و8 بنات».

تتحدث عن عشقها للزيتون: «أحب الزيتون كثيراً، فقد أقسم به الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وشجر الزيتون، كما الولد غالي جداً، ومهما حاول المُحتل الإسرائيلي قطع الأشجار وسرقة الأراضي، سنبقى نتصدى له ونزرع، لأن الاحتلال يُريد من قطع الأشجار، إجبارنا على الرحيل، لكن أشجارنا باقية كما نحن في أرضنا ولن نرحل».

حكايا مغروسة بالحب

رحلة قطاف الزيتون الراسخ في جذور أرض فلسطين، التي زرعها الأجداد والآباء ويتوارثها الأبناء والأحفاد، يُشارك الحاجة محفوظة، أفراد العائلة، الذين يبدأون باكراً بفرط حبات الزيتون على أكياس من النايلون، تُوضع تحت الأشجار، قبل جمعها ونقلها في أكياس إلى المعصرة لتتحول إلى زيت، بعد الاحتفاظ بكميات يتم كبسها كزيتون.

 

يتشارك أفراد العائلة في فرحة قطاف الزيتون، فالكبار يعمدون إلى فرط الحبات وجمع المحصول، فيما الصغار يقومون بجمع الأعشاب والأغصان اليابسة لاستخدامها حطباً في المُوقدة التي يتم إشعالها، فتتولى النساء صنع الخبز المرقوق، الذي يُغمر بزيت الزيتون، ومنقوشة الزعتر مع الشاي.

يذكر أبناء قرية سالم الكثير من الحكايا عن الحاجة «أم غانم» وتصديها للمُستوطنين والاحتلال ومنها: 

خلال «الانتفاضة الأولى» - «انتفاضة الحجارة»، كانت الحاجة محفوظة من أمهر رمات الحجارة، وتأخذ أطفالها ذكوراً وإناثاً للمُشاركة في الواجب الوطني، وبينهم من أعتقل أو أصيب بجراح جرّاء المُحتل.

كذلك قبل قصة صورتها مع الشجرة المشهورة، ما حصل عندما اختطف المُستوطنين ابنها وابن جيرانهم أثناء رعايتهم الأغنام في المنطقة التي شهدت معركة إعدام أشجار الزيتون.

لما وصل الخبر إلى الحاجة محفوظة، توجهت سريعاً بهدف إنقاذ الشابين والأغنام، ووقع إشكال مع المُستوطنين.

تقدمت الحاجة محفوظة من كبير الحاخامات، لتسأله عن الشابين والأغنام، وهو يُحاول تمييع الأمر، اقتربت منه أكثر، وأمسكت بلحيته ورأسه، وطرحته أرضاً، ودعست رأسه بقدميها، وهي تردّد: «أين ابني يا خنزير؟». 

أعيد ابنها وابن الجيران والأغنام.

ناضلت الحاجة محفوظة وكافحت من أجل توفير حياة أفضل لها ولعائلتها، وهي تعتبر أن «فلسطين تستحق منا الكثير لأنها مكلومة». 

في حكاية الحاجة محفوظة مع الزرع، تُثبت أن الشجر يُزرع بالتعب، ويروى بالدموع، وُيرعى ويُحافظ عليه بالسهر، ويحمى ويُدافع عنه بالدماء والمهج، وأن الفلسطيني مُتمسك بشجره وأرضه، فهي عنوان العزة والكرامة، لأن الأرض كالعرض، مهر الحفاظ عليها وصونها الدماء، وطالما هناك نفس فلسطيني، ستبقى مسيرة النضال مُتواصلة حتى تحرير الأرض

المصدر :اللواء