الأحد 15 كانون الثاني 2023 12:52 م

حضور الغياب


* جنوبيات

أنْ يحرص شرفاء الأمة واحرار العالم على أحياء ذكرى ميلاد القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر قبل قرن وخمس سنوات وبعد اكثر من 52عاماً على رحيله، ليس مجرد تعبير عن قوة حضور الزعيم في حياة أمته والعالم فحسب، بل هو ايضاً تعبير عن قوة غيابه الذي ترك فراغاً كبيراً يتذكّره كل منّا في كل محنة تعيشها الأمة أو نصر يحقّقه ابناؤها على طريق مقاومة قال عنها ابو خالد "انها وجدت لتبقى وستبقى" .

 ولعل اكثر ما يبرز قوة غياب الرجل هو السؤال الذي يطرحه كل واحد منّا أمام كل ما يحيط بنا من فتن وحروب وتناحر وضعف أمام املاءات العدو: لوكان ناصر بيننا اليوم.
 ففي فلسطين التي عاش القائد الكبير الآمها واوجاعها مدركاً عظمة شعبها ومقاومته المستمرة والمتصاعدة  نتساءل: لو كان عبد الناصر بيننا هل كان سيترك الشعب الفلسطيني وحده يواجه ما يواجه من ظلم الاحتلال وبشاعة التواطؤ الدولي والتخاذل الرسمي العربي 
وفي سورية التي اطلق عليها ناصر "قلب العروبة النابض" هل كان ناصر يسمح للمتأمرين عليها ان يتمادوا في عدوانهم واحتلالهم وحصارهم المريع لشعبها الذي ما تخلى يوماً عن نصرة اي حق عربي وانساني.
 وليبيا جارة مصر المتكاملة معها وبوابتها الى المغرب العربي هل كان ناصر يسمح للناتو ان يغزوها ولاعداء الامة ان يبقوها أسيرة الفوضى والانقسام.
 والعراق الذي كان ناصر اكثر المدركين لأهميته في معركة المصير الواحد هل كان سيسمح بهذا الكمّ من التواطؤ  والتآمر والاحتلال عليه .
 واليمن الذي احبه جمال عبد الناصر وانتصر لثورته الجمهورية في الشمال ولثورته التحررية في الجنوب هل كان ناصر يرضى بتحويله الى ساحة تناحر واقتتال لا أفق له سوى التقسيم وتمكين أعداء اليمن التحكم بمصيره.
 والخليج والجزيرة العربية اللذين كان ناصر حريصاً على مقاطعة الاستعمار من اجلهما، هل كان ناصر يقبل ان تبدّد خيراتهما خارج مصالح شعبهما.
 والسودان توأم مصر وشقيقها الأكثر التصاقاً هل كان زعيم مصر يرضى ان يبقى فريسة الفوضى والتقسيم.
 وبلدان المغرب العربي الكبير التي طالما احتضنت القاهرة قادته وحركات تحريره، هل كان ناصر سيقف متفرجاً امام ما هو قائم بين الجزائر والمغرب من صراع مؤلم حول قضية الصحراء الذي يستغلها أعداء البلدين لتعميق الازمة بينهما.
 وبلدان الساحل الافريقي الشرقي كالصومال وجزر القمر وجيبوتي ألم يكن ناصر حريصاً على ان تقوم امتهم بواجباتها تجاههم..
 اما لبنان الذي كان جمال عبد الناصر الأكثر حباً له وفهماً لتعقيدات اوضاعه، فهل كان ناصر سيتركه أسير حصار واشنطن وتل أبيب وصراع بلدان المنطقة وضيقي الافق من زعمائه على حساب دوره الحضاري  ولقمة عيش ابنائه.
 اما عالم اليوم الذي يشهد تحولات بالغة الأهمية ألم يكن ممكناً لقائد الامة العربية ورائد حركة عدم الإنحياز ان يلعب دوراً مهماً في الاستفادة من هذه التحولات لصالح أمتنا وشعوب العالم المظلومة.
فعلاً لو كان ناصر موجوداً بيننا لتغيّرت الكثير من اوضاعنا. 
 ولكن الأمة التي حمل ناصر همومها أمة ولّادة وستواصل السير على نهج قائد أحبها وأحبته.

المصدر :جنوبيات