الاثنين 30 كانون الثاني 2023 09:08 ص

توفيق الحوري يترجّل.. و«فلسطيننا» لا تزال فتيّة


* جنوبيات

بيروتي عتيق، وسليل أسرة بيروتيّة عريقة، أبصر النور في العام 1933، قبل استقلال وطنه من نير الانتداب الفرنسي.
وعى العمل السياسي باكراً، حتى شبَّ قيادياً، وشَابَ أيقونة في تاريخ النضال العربي دفاعاً عن القضايا الوطنية والقومية، وفي الطليعة فلسطين.
إنّه المناضل العروبي الحاج توفيق راشد توفيق الحوري، نجل رجل الخير الحاج راشد حوري.
ترك بصمات مميزة، في كل المراكز التي تولّاها وتبوأها، خاصة في المجال التربوي، لإيمانه بأهمية العلم.
له الفضل على العديد من العلماء والباحثين والمفكّرين من لبنانيين وفلسطينيين وعرب، من خلال عمله ودوره في جامعة الإمام الأوزاعي وجامعة بيروت العربية.
في خمسينيات القرن الماضي ساهم في تأسيس جماعة "عباد الرحمن"، التي حاز فيها منصب نائب الرئيس، واقترن بالسيدة ليلى كريمة الأمين العام المؤسِّس لـ"عباد الرحمن" عمر الداعوق، لينشط في العمل السياسي، ويبرز دوره في الدعوة الإسلامية بين فلسطينيي لبنان.
مُنذ كان على مقاعد الدراسة الجامعية، وهو من روّاد العمل العربي الداعم والمدافع عن فلسطين، حيث نشط مع إخوانه في حملات الدعم وتوفير الغذاء والألبسة للاجئين الفلسطينيين، وتوفير احتياجاتهم، إضافة إلى التعبئة الشعبية والتوعية الثقافية بالقضية الفلسطينية.
في العام 1954، وفيما لا يزال بعمر الـ21، أطلق حركة "الطوابير"، التي نظّمت تشكيلات سريّة عسكرية من اللاجئين الفلسطينيين في مُخيّمات لبنان، بهدف استلام زمام المبادرة ومعاودة الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تعرّف باكراً على الرئيس الشهيد ياسر عرفات والشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، وكان له الفضل بإصدار مطبوعة مجلة "نداء الحياة: فلسطيننا" من لبنان، التي أبصر عددها الأوّل النور في تشرين الأوّل/أكتوبر 1959.
استمرّت المجلّة غير المرخّصة بالصدور العلني 5 سنوات، رغم تعرّض حوري للاستدعاء من "دائرة رقابة المطبوعات اللبنانية"، للاستفسار عن وضعها، إلّا أنّ المسؤولين اللبنانيين يومها اكتفوا بطلب حذف عبارة "طُبِعَتْ في بيروت"، انطلاقاً من تفهّمهم وتعاونهم مع النشاط الفدائي.
وللتاريخ هناك الكثير من الحكايا التي تربط الثلاثة ببدايات تأسيس حركة "فتح"، وإصدار بيانها الأول في العام 1965.
ارتبط بصداقة متينة مع مفتي فلسطين المُناضل الحاج أمين الحسيني - حين كان مُقيماً في بيروت.
بين عامي 1956-1960، ساهم في تأسيس جامعة بيروت العربية.. كما ساهم في العام 1980 بإنشاء جامعة الأوزاعي للدراسات الإسلامية.
بقي توفيق الحوري يحظى بحفاوة وتقدير من قِبل القيادة الفلسطينية، حيث منحه رئيس دولة فلسطين محمود عباس، وساماً تقديرياً.
وُلِدَ الحاج توفيق، في الطيونة، وتلقّى دروسه الأولى في مدارس "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" - الحرش، ليلتحق بعد ذلك بالجامعة الأميركية في بيروت لدراسة إدارة الأعمال (1948-1952).
سافر إلى المملكة المُتّحدة، ونال الماجستير (1952-1954) مُتخصّصاً في علوم "الرادار والمحاسبة الميكانيكية - الكمبيوتر".
شخصية توحيدية، إصلاحية، تربوية، أكاديمية وتوثيقية. ساهم في تأسيس "التقرير الإسلامي"، وإنشاء مركز توثيق وأبحاث حول القضايا الإسلامية في العالم.
مآثر الحاج توفيق، هي مصداق لقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له"، وهو ما تحقق في حياتك، ويبقى جارياً بعد الرحيل.
يغفو الحاج توفيق الحوري اليوم، عن عمر ناهز الـ90 عاماً، فيما القضية الفلسطينية لا تزال ولّادة، تُنجب جيلاً بعد آخر أبطالاً يُدافعون عن مسرى الأنبياء ومعراج السماوات العلى.
‏سيبقى أبناء فلسطين يحفظون نضالات الحاج توفيق الحوري، ويتناقلونها من جيل إلى آخر.
تغمد الله الراحل بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبّيه الصبر والسلوان.

المصدر :اللواء