الأربعاء 27 أيلول 2023 08:52 ص

هاشم قاسم : وداعاً


* جنوبيات

غيَّب الموت بالأمس وجهاً مشرقاً من وجوه لبنان الأدبية والثقافية هو الأستاذ المربي هاشم قاسم ابن بعلبك البار الذي جعل من الكتاب همه، مؤلِفاً، وقارئاً ساعياً لترقية الذات واعلاء شأن المجتمع منطلقاً من قدسية الكلمة واعتبارها نقطة البداية لكل مسيرة اجتماعية تغني الحياة وتُعنى بمعانيها السامية التي توجه الانسان نحو الخير والبناء والعطاء. ولقد كان راحلنا العزيز متصلاً بنهر الحياة المتدفق مشغولاً قلقاً على وفرته وتدفقه وسلامته ، ولذلك إنغمس بعالم الادب والشعر والفن لا ليرتوي من جماله وسموه فحسب بل أيضاً لفهمه واستقرائه ومراكمة أفضاله على المجتمعات البشرية والنزوع بها نحو مسارات السلام والعدالة والتواصل الانساني .
وأذكر في لقاء معه في « دار الندوة»، التي ترأس لجنة النشاطات الأدبية والفنية فيها لفترة طويلة، انه كان يغلي كالمرجل سخطاً على الطغمة الفاسدة التي اضطهدت الانسان في لبنان واحتقرت مجتمعه وحطمت اعمدته وفككت دولته دون أن يرف لها جفن...
 
كان يحمل في يديه كتاباً جديداً سماه (انفجار مرفأ بيروت: اغتيال دور ووطن) خطه يراعه من محبرة متفجرة تختلط فيه النقمة العارمة على كل من تسبب بأكبر كارثة شهدتها بيروت، كما الحرص الشديد على بلده وأهله الذين عصرتهم الجريمة وعادت بهم الى زمن القهر والجوع والفراغ الأجوف.
وعندما حان وقت الكلمة وقف هاشم على منبر «دار الندوة» يخاطب أسرتها واصدقائها بلغة جديدة لا تخلُ من مسحة أدبية ، لزمت الرجل في كل مراحل حياته ، وانما تتميز ايضاً بمنطق متماسك وسرد متلاحق وخلاصات علمية لما حدث في العاصمة وأهم مرفق حيوي فيها مقروناً بدعوات وطنية للمحاسبة والمواجهة والإنقاذ. كان خائفاً على لبنان من كثرة اعدائه وجهل حكامه، لكنه كان بالمقابل واثقاً من قدرة شعبه على الصمود والمقاومة والنهوض من المستنقع الذي حفرته الهندسات المالية والقرارات الكيفية.
 
هاشم قاسم كان شعلة نادرة في حياتنا الوطنية والثقافية وأثاره تدل عليه كما اترابه وطلابه الذين يفتقدون اليوم بلاغته واناقته ودقته في زمن أصبح فيه الانسان في لبنان يقيّم بعدد السقطات التي وقع بها لا بعدد الإنجازات التي حققها.
يبقى ان نقول ان ذكراه ستبقى ملهمة لنا على طريق التحرر والبناء وصولاً الى وطن يحترم الانسان ويعلي شأن الحقيقة ويرفض تبديدها.
إن «دار الندوة» التي شاركها الراحل العزيز مسيرتها في معظم المراحل تتقدم من عائلته واهل بعلبك كما من اهل الثقافة والفن والأدب في لبنان بصادق العزاء سائلة المولى عز وجل أن يغمره بفيض رحمته ومحبته.
رئيس مجلس إدارة «دار الندوة»

المصدر :اللواء