بأقلامهم >بأقلامهم
"مشاركة الحديث"!
"مشاركة الحديث"! ‎الخميس 29 02 2024 23:16 القاضي م جمال الحلو
"مشاركة الحديث"!

جنوبيات

يُحكى في الزّمن الحاليّ، (حيث أغلب النّاس لا تبالي، ولا تلقي اهتمامًا بأصحاب الحرف البسيطة، ظنًّا منها أنّها أرقى مستوى وأعلى قيمة) أنّ رجلًا أشيب الشّعر دخل قاعة المحاضرات في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في اليوم الأوّل من الدّراسة، وإذ بالطلبة يقفون احترامًا له ظنًّا منهم أنّه الدكتور المحاضر. بيد أنّ الرجل الأشيب ذهب إلى مقاعد الطلّاب آخذًا مكانًا له بين رفاقه الطّلبة.
وبعد انتهاء المحاضرة التفّ الطلّاب حوله، واستوضحوه عن سبب مجيئه إلى الكلّيّة في هذا العمر. نظر إليهم الرّجل بابتسامة ممزوجة بدمعة دفينة، وقال:
 "أنا إسكافيّ أعمل في تصليح الأحذية، وعندي سبعة أولاد منهم: المحاسب، والمهندس، والضّابط، وابنة صيدلانيّة، وطبيب، وموظّف دولة مرموق، ومحام.
وذات يوم، وفي إحدى السّهرات العائليّة، كان أولادي يتحدّثون في موضوع "علميّ"، فتدخّلت في الحديث مشاركًا، فقال لي أحد أبنائي: بابا "لا تؤاخذنا"، فنحن نتحدّث في موضوع علميّ محض، وأنت لا تفقه فيه".

أضاف الرّجل بكلمات هادئة:
 وفي اليوم التّالي ذهبت إلى إحدى المكتبات واشتريت كتب منهاج الصّفّ التاسع (البريفيه)، وصرت أدرس في الدكّان بدون علم أحد. ثمّ اشتريت كتب (البكالوريا) ووضعتها في المحلّ وبقيت أدرسها لثلاث سنوات، حتّى أصبح مسموحًا لي أن أتقدّم إلى الامتحانات الرّسميّة، فتقدّمت ونجحت بتفوّق، ولا أحد في بيتي يعلم هذا الأمر.
واليوم باشرت المرحلة الجامعيّة، وإن شاء الله سأدعو أولادي بعد التّخرّج لأقول لهم وبالفم الملآن:
 "هذه "الشّهادة" قد تسمح للإسكافيّ الذي ربّاكم وعلّمكم أن يشارككم الحديث"!!

حقًّا، بعض الكلمات قد تكون مؤلمة، بيد أنّ الإرادة الصّلبة والحقيقيّة قادرة على تخطّي الصّعاب، تحت عنوان:
 "إنّ سعيها لتحقيق الهدف المرجوّ سيلقى الصّدى بحسن الجواب".

وصدق من قال: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".

المصدر : جنوبيات