بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - ما بعد التسوية
بالنظام - ما بعد التسوية ‎الجمعة 8 03 2024 21:33 زياد شبيب
بالنظام - ما بعد التسوية

جنوبيات

ينتظر الجميع في لبنان الحلول الآتية من الخارج وهذا ليس جديداً على البلد الصغير الذي نشأ وازدهر واضطرب وتفكك على مدى العقود، لأن عناصر وجوده واستقراره لم تكن داخلية بل تشكلت بصورة أساسية من تفاهمات خارجية. سلّم حاكموه أمرهم وأمر الوطن إلى رعاتهم في الخارج. وهذا ما أبقى لبنان أسير تكرار المشهد المأسوي من أزماته التي تكون في كل مرة أكثر عمقاً.

لهذا ينتظر المعنيون مآل الحروب والصراعات وآفاق التسويات ولا يندفع أي منهم أو ربما يعجزون عن المبادرة إلى القيام بالحدود الدنيا من المعالجات أو بتسيير أمور الدولة والمواطنين الذين فقدوا القدرة على التفاعل والحكم على الأمور تحت تأثير صدمات الكوارث المتتالية التي حلّت بهم. وأمام هذا الواقع الذي يبدو غير قابل للتغيير راهناً، لا بد من النظر إلى مرحلة ما بعد التسويات التي سينتج عنها إعادة تكوين السلطات الدستورية بدءاً بانتخاب رئيس واختيار رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة.

السؤال الذي يجب أن يطرحه المعنيون بترتيب أمور لبنان مستقبلاً في الداخل كما في الخارج، ليس حول الأولويات لأن الانهيار طال كل شيء، لكن المدخل لا بد أن يكون عبر إعادة بناء المؤسسات لأن الانحلال والتفكك الذي طالها سيكون عائقاً أمام أي مسار علاجي مستقبلي. وللدلالة على وجوب اعتماد هذا المدخل يكفي اختيار أية واحدة من الأزمات الداخلية الأكثر أهمية أو خطورة، والبحث في مسارها المستقبلي للتوصل إلى نتيجة حتمية واحدة هي استحالة السير بها نحو الحلّ إلا بعد إعادة بناء المؤسسات المعنية وإعادة صياغة أدوارها.

مقاربة ملف الأزمة المالية والنقدية تنتظر التسوية كغيرها من الأزمات البنيوية، والمعالجات فيها ستطرح حكماً إشكاليات إعادة صياغة دور المصرف المركزي ولجنة الرقابة، ودور القضاء، وورشة تتناول التشريعات ذات الصلة، القائم منها دون أن ينفّذ أو المطلوب إقراره. وذلك بعدما ثبت أن المؤسسات المعنية قد أخفقت إخفاقاً كارثياً ليس في مواجهة الأزمة أو معالجتها وحسب بل في الوقوع فيها أصلاً.

ملف كبير آخر لا مفرّ من مواجهته عند اكتمال عقد السلطات الدستورية، هو ملف تفجير المرفأ. وهذه المواجهة لن تقتصر على التحقيق بل سوف تجد الحكومة المقبلة بعد انتخاب الرئيس نفسها أمام المطالبات بالتعويض عن الأضرار التي تسبب بها التفجير والتي تتحمّل الدولة المسؤولية المدنية عنها على أساس المخاطر التي تسببت بها أجهزتها عبر ترك المواد المتفجرة وهذه المسؤولية تبقى قائمة أيضاً تجاه شركات التأمين التي قامت بتعويض بعض المتضررين، وهذا بقطع النظر عن المسؤوليات الجزائية.

أما الشق الجزائي الذي ما يزال عالقاً بعد التعقيدات الكبيرة التي نتجت عنه أو وُضعت أمامه، والذي كان قد أدى تفجّره في قصر العدل إلى حدوث سوابق وإجراءات غير معهودة لن يكون متاحاً الخروج منها دون إعادة تنظيم وصياغة الأدوار والصلاحيات، ودون العودة إلى الأصول. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة المحقق العدلي طارق البيطار أمس إلى المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي جمال الحجار لشرح وقائع المرحلة الماضية، وسيلي اللقاء قريباً لقاء آخر يُفترض أن تحدد فيه السُبل التي تؤدي إلى إعادة الملف إلى مساره القانوني السليم.

هذا وغيره من الملفات والأزمات التي تنتظر الحلول سوف تحتاج إلى عقل مؤسساتي يحيطها، وهذا ما يجب أن يحكم عملية اختيار من سيقود المرحلة في الرئاسة والحكومة أولاً، ولاحقاً في سائر المواقع والمؤسسات الدستورية والقضائية والإدارية الأساسية.

المصدر : النهار