بأقلامهم >بأقلامهم
لماذا لم تُطلَق هذه الصواريخ خلال "حرب الإبادة" لبيئة المقاومة؟
لماذا لم تُطلَق هذه الصواريخ خلال "حرب الإبادة" لبيئة المقاومة؟ ‎السبت 28 06 2025 17:02 العميد محمد الحسيني
لماذا لم تُطلَق هذه الصواريخ خلال "حرب الإبادة" لبيئة المقاومة؟

جنوبيات

لا شك أن البُعد الأيديولوجي للصراع القائم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان المحتل، و"غيبيات" الحرب المصيرية التي يؤمن كلٍ منهما بحتمية نشوبها في المستقبل وبحتمية النصر المؤكد فيها، جعلت كل فريق يقفعلى جهته من حافة الهاوية النووية من دون الوقوع فيها. هذا الأمر جعل شكل الحرب بينهما يأخذ "مسار الموت القادم من السماء"، فارتفعت الشعارات الدينية واستُحضرت "النبوءات" من كتبهم القديمة، وطغت كل من القومية الفارسية على المشهد الايراني، والاستجداء للتدخل "الأميركي" على المشهد الاسرائيلي. في وقت غابت فيه العقيدة القتاليّة القديمة، لا سيما مسارح العمليات التقليدية لإنعدام الحدود البرية بينهما ولعدم ارتباطهما بمنطقة اقتصادية خالصة.

حيث انحسرت حربهما في مسرح عملياتي باليستي يقع ضمن "الغلاف الجوي" لكلا البلدين، وامتد ليشمل المنطقة بأسرها، فتبارزت أدمغة الطرفين في معركة "جو- فضائية" بامتياز، كان للتطور التكنولوجي اليد الطولى فيها. مما أسّس لمرحلة مختلفة من الحروب الحديثة، بعد محاولة كل طرف حسم القتال "عن بُعد" لصالحه عبر تسجيل أعلى نقاط ممكنة على أرض الطرف الآخر. فأصبحت أول حرب تُخاض من خلف الشاشات ومن دون اللجوء لقوات برية أو حتى بحرية.

ومن بعد شحذ الهمم وحبس الأنفاس لمدة إثني عشر يوماً من الاقتتال بواسطة التراشق الصاروخي والمسيرات الهجومية، جاء الوقف السريع والمفاجئ لأطلاق النار بين ايران واسرائيل من دون إدخال لبنان ضمن صيغته. وعلى الرغم أن إيران لم تتفاجأ بقصف العدو لمنشآتها النووية، إلا أنها تفاجأت حكماً بعمليات الاغتيال الواسعة التي شنها الاحتلال على قيادات الصف الأول ليل 13 يونيو/حزيران 2025، وفي المقابل على الرغم أن اسرائيل لم تتفاجأ بالتدخل العسكري الأميركي المحدود في الزمان والمكان، لكنها تفاجأت حتماً بالكم الهائل من الدمار والخسائر البشرية والاقتصادية التي أصيبت بها من جراء الرّد الايراني القوي والصادم (الوعد الصادق 3)، الذي أحدث صدمة عنيفة ليس لدى المستوطنين بمن فيهم قادتهم الأمنيين والعسكريين والسياسيين فحسب بل لدى الخبراء العسكريين حول العالم وفي البيت الأبيض على وجه الخصوص.

ذلك لأنهم اعتادوا على ردود إيرانية عسكرية هزيلة إن كان من خلال ما عُرف بالوعد الصادق 1أو 2، خاصة وأن حجم الرد الأول والثاني لم يكونا بمستوى الاعتداء الاسرائيلي، إذ لم يحقق أي منهما التوازن الاستراتيجي المطلوب في المنطقة، ولم يردعا الكيان عن غطرسته التي أخذت منحىً تصاعدياً خطيراً من بعدهما، إلى حين وصل به الأمر إلى المغامرة بقصف المنشآت النووية الإيرانية والعمل على محاولة إسقاط نظام ولاية الفقيه.

فضلاً عن ذلك فإن الردود السابقة التي نفّذتهم ايران على اسرائيل لم تلبي حتى طموحات جمهور المقاومة في العالمين العربي والإسلامي، وعلى وجه الخصوص في كل من لبنان وفلسطين، باعتبار أنه كان على إيران الاستفادة من الاعتداء الأول واستثماره عسكرياً عبر شن حرب استباقية، وذلك حين أغار الطيران الحربي الإسرائيلي يوم الأول من أبريل/نيسان 2024 على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في انتهاك واضح للسيادة الايرانية، إذ يخضع للقانون الدولي تحت بند "إعلان الحرب"، إلا أن الرد إلايراني تأخر أسبوعين كاملين لأسباب ما زالت مجهولة، عدا عن فشلهم في إحداث الصدمة المطلوبة داخل الكيان، مما أفرغ الوعد الصادق 1 من مضمونه.

كذلك لم تتحرك السلطات الإيرانية مباشرة حين اغتال الموساد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران بعدما كان في زيارةٍ لها للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في 31 تموز/يوليو 2024، ومن المفارقة الغريبة أن تنتظر قيام العدو باغتيال شهيد الأمة السيد حسن نصرالله في 27 سبتمبر/ايلول 2024 مع السيد عباس نيلفروشان نائب العمليات في الحرس الثوري، لتدمج كل هذه الاغتيالات في رد هجومي واحد (الوعد الصادق 2) وذلك في الأول من اكتوبر/تشرين أول 2024، في موقف أثار الكثير من التساؤلات، وما زاده استغراباً واتهاماً لها ولحكومتها العميقة بالتقاعس إلى حد التواطؤ، هي طريقة الرد الهشة والضعيفة التي لم تتناسب وحجم الحدث الجلل، الا وهو اغتيال قائد محور المقاومة والثائر الأممي الأول في هذا العصر السيد حسن نصر الله.

لقد ارتكبت إيران أخطاء استراتيجية يصعب عليها تعويضها، حين أدخلت سياستها البليدة في نفق بارد لم تقوَ على الخروج منه، وأوقعت نفسها في فخ "فن التباطؤ" الذي تتباهى به واعتادت أن تمارسه لإبعاد كأس الحرب عن أراضيها، لكن ما لم تكن تُدركه هذه المرة أن العدو لا يملك ترف اللعب "على الوقت" مطلقاً، وأنها بخطئها هذا قد فتحت شهيته أكثر فأكثر على لبنان أولاً وسوريا ثانيةً وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أخيراً وليس آخراً، حيث ساهم هذا التباطؤ مساهمة مباشرة في انهزام محور المقاومة في لبنان، كما شكل سبباً مؤكداً من أسباب التغيير الجيوسياسي الكبير في سوريا والتدحرج الدراماتيكي السريع لمشهد النظام فيها. كان الأجدر بإيران أن تماشي العدو بخطواته على أن يتجاوزها بخطوات أكبر، فلا تنتظر قصف المنشآت النووية واغتيال بعض من قادتها لتشن حرباً عليه، بل كان الأوجب عليها أن تبادر إلى الحرب ضده فور الاعتداء عليها، لكانت وفرت على نفسها الكثير وعلى لبنان الأكثر، ولكانت أولاً أعادت التوازن الاستراتيجي إلى المنطقة وحافظت على وحدة الساحات، وثانياً كان الكيان المحتل سيتمهل أكثر في دراسة خياراته الاستراتيجية قبل قصف منشآتها النووية واغتيال قادتها، وثالثاً لارتدع حتماً عن عملية اغتيال السيد حسن نصرالله والأهم كانت رابعاً حمت بيئة المقاومة من أعمال القتل والتهجير والتدمير الذي أصيبت بهما على مدى 66 يوماً. فأين كانت هذه الصواريخ في حينها؟ ولماذ لم تستعمل؟ ومن اتخذ قرار عدم استخدامها؟

ومن جديد عادت إيران لتقع في خطأ استراتيجي كبير، حين لم يشمل وقف إطلاق النار بينها وبين العدو الاسرائيلي كل من لبنان وغزة، إن بيئة المقاومة التي عانت وصمدت مع المقاومين ولا زالت على دعمها لهم، لديها كل الحق أن تعرف حقيقة ما جرى في الأمس وما يجري اليوم، خاصة وأنها ما انفكت تعاني من كل شيء، من فقدان القرارت الاستراتيجية المدروسة التي تحميها من التهجير مرة جديدة، أو من الذوبان ضمن المجتمعات الأخرى، بعد أن أصبحت أرزاقها حقلاً واسعاً لتدريبات جيش الاحتلال الاسرائيلي، وبئراً يعمل على تجفيف مصادر اقتصادياته وانتزاع لقمة عيشه، وغداً قد يأتي الدور على مستشفياته ومستوصفاته ومدارسه إلخ… في وقت لا أموال لإعادة الأعمار ولا انسحاب اسرائيلي من النقاط الخمس وغيرها ولا عودة قريبة للمهجرين… ولا حتى اهتمام رسمي ولا إيراني… ولا من يسأل

المصدر : جنوبيات