عام >عام
البطريرك الراعي من بكركي: نطالب مع غيرنا بحكومة مصغرة من اشخاص ذوي اختصاص ومفهوم سليم للسياسة وحياديين
البطريرك الراعي من بكركي: نطالب مع غيرنا بحكومة مصغرة من اشخاص ذوي اختصاص ومفهوم سليم للسياسة وحياديين ‎الأحد 30 12 2018 11:43
البطريرك الراعي من بكركي: نطالب مع غيرنا بحكومة مصغرة من اشخاص ذوي اختصاص ومفهوم سليم للسياسة وحياديين

جنوبيات

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي المطران بولس عبدالساتر، راعي ابرشية افريقيا الغربية والوسطى المارونية المطران سيمون فضول، امين سر البطريرك الأب شربل عبيد، في حضور وفد من ابرشية افريقيا المارونية، وفد من مؤسسة البطريرك صفير الإجتماعية الخيرية برئاسة الدكتور الياس صفير، الهيئة الإدارية للمنظمة اللبنانية للأمم المتحدة وحشد من الفعاليات والمؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "وعاد الصبي يسوع مع ابيه وامه الى الناصرة وكان مطيعا لهما وينمو في القامة والحكمة والنعمة"، قال فيها: "1. في ذكرى وجود الصبي يسوع في الهيكل بين العلماء يسمعهم ويسألهم، ثم عودته مع أبيه وأمه إلى الناصرة، حيث كان مطيعا لهما، وينمو بفضل تربيتهما في القامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس (راجع لو2: 51-52)، تحتفل الكنيسة اليوم بعيد العائلة المقدسة، وبالتالي عيد العائلة المسيحية، وكل عائلة تتأسس حسب شريعة الله الطبيعية والموحاة. وامتدادا هو عيد العائلة الاجتماعية والوطنية والبشرية. نصلي اليوم من أجل كل هذه العائلات لكي تنعم بالوحدة الداخلية والسعادة والسلام.
2. يسعدنا أن نحتفل معكم اليوم بهذه الليتورجيا الإلهية التي نحيي فيها عيد العائلة المقدسة، ونصلي على نية كل عائلة. ويطيب لي أن أحييكم جميعا وأرحب بكم، وبخاصة بسيادة أخينا المطران سيمون فضول والوفد المرافق من أبرشيتنا المارونية في أفريقيا الغربية والوسطى، وبمؤسسة البطريرك صفير الخيرية: رئيسها الدكتور الياس صفير ومجلس الإدارة، وبالهيئة الإدارية للمنظمة اللبنانية للأمم المتحدة، راجيًا لعائلاتكم جميعًا الخير والسعادة، ولأولادكم أفضل تربية.
3. إلتزم الصبي يسوع بالطاعتين: الطاعة لأبيه السماوي، وقد أعرب عنها لما وجده أبواه في الهيكل بعد ضياعه ثلاثة أيام، وقال لهما جوابا على وجعهما: "لماذا تطلبانني؟ ألا تعلمان أنه علي أن أكون في ما هو لأبي؟" (لو 49:2). والطاعة لأبيه وأمه في الناصرة، كما كتب الإنجيلي لوقا. بهذه الطاعة في التربية البيتية كان ينمو ويتهيأ لرسالته الخلاصية التي بدأها بعمر ثلاثين سنة. هذا يعني أن مستقبل كل شخص مرتبط بالتربية في البيت الوالدي. فهي بمثابة الأساس لكلبناء يعلو، أكان هذا البناء الحياة الشخصية أم العائلية أم الإجتماعية أم الكنسية أم الوطنية. ذلك أن الشخص البشري يطبع محيطه ومسؤوليته ونشاطه بالقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية التي تربى عليها في بيته.
4. فالعائلة إستعادت قدسيتها وكرامتها من العائلة المقدسة. إنها كنيسة بيتية مبنية على نعمة سر الزواج، وتكون جماعة الإيمان والرجاء والمحبة، وتتناقلها من جيل إلى جيل. وهي المدرسة الطبيعية الأولى التي يتعلم فيها أفرادها التفاني وبذل الذات وقيمة التعب والحب الأصيل والمغفرة، من دفء الحياة العائلية ومثال الوالدين. وهي الخلية الحية التي تؤمن الأجيال الجديدة للمجتمع بفضل رسالة الإنجاب التي يقبلها الأزواج مع قبول هبة الزواج من الله. ومعروف أن لا مستقبل زاهر للوطن من دون أجيال جديدة تنال التربية السليمة في العائلة.
5. علمت الكنيسة دائما أن الوالدين هم المربون الأولون لأولادهم، حسب قناعتهم الدينية والخلقية وتقاليدهم الثقافية، ولكن على أساس الحقيقة والمحبة (القديس البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى العائلات، 16). واجب الأهل هذا يتصف بأربعة: هو جوهري، بسبب علاقته بنقل الحياة البشرية لأولادهم. فالإنجاب يستوجب التربية. وهو أساسي، بالنسبة إلى واجبات الوالدين الأخرى، وبالنسبة إلى مهمة غيرهم التربوية. وهو أولي، بداعي رباط الحب الفريد بين الوالدين وأولادهم. ولا بديل أو غنى عنه، فلا يفوض بالمطلق إلى غيرهم، ولا ينتزعه منهم أحد (راجع الإرشاد الرسولي للقديس يوحنا بولس الثاني: في وظائف العائلة المسيحية، 26).
6. كل هذا الكلام عن العائلة الدموية الصغيرة ينطبق قياسا على العائلة الاجتماعية والوطنية الأكبر. فما يقع من واجب على الأزواج والوالدين بالنسبة لأولادهم، يقع هو إياه واجب على المسؤولين المدنيين، من سياسيين وإداريين وتربويين وقضائيين تجاه المواطنين. فخدمة الشأن العام، على تنوعها تختص جوهريا بالمواطنين من أجل تأمين جميع حقوقهم الأساسية، وتختص بهؤلاء من أجل القيام بما عليهم من واجبات عامة تجاه المجتمع والدولة، وواجبات شخصية تختص بالتنمية الذاتية قامة وحكمة ونعمة.
7. إن المسؤولين عندنا اليوم لا يهملون فقط واجب تربية المواطنين على المواطنة من خلال أدائهم وتأمين ما يعود لهم من حقوق أساسية، بل على العكس يربونهم على الولاء للمذهب والحزب والزعيم وصاحب النفوذ، وعلى مخالفة القانون والعدالة ويحمونهم بكل قواهم؛ ويربونهم على عدم احترام السلطة العامة في الدولة ومهابتها إذ يعلمونهم التجرؤ على الإساءة والاستخفاف والتلطي وراء الطائفة والمذهب والاستقواء بالحزب وبالزعيم. وهكذا يستعملون السلطة للهدم لا للبناء. هذا ما افقد الدولة هيبتها، وسهل استباحة قوانينها ومخالفتها بدم بارد. وهذه هي نتيجة عدم التربية على المواطنة والولاء للوطن وجعله فوق كل اعتبار.
8. ونسأل: أية تربية تقدمها لشبابنا سياسة هدامة تعرقل وتعطل حاليا تأليف الحكومة، وعاديا عمل الوزارات والإدارات العامة بما يستشري فيها من تعاط كيدي مذهبي مع من هم من مذهب آخر، وفساد، وسلب لمال الخزينة وهدره، ومعاشات لمئات من الأشخاص الوهميين، ومصاريف على مؤسسات وهمية، كما تعطل عمل مؤسسات الرقابة بتعطيل مقرراتها وأوامرها استقواء بقوة ما؟ هل يدركون أنهم بتعطيل النهوض الإقتصادي، يتسببون بإقفال مئات الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية وسواها، ويرمون عائلات في حال البطالة والعوز، مع عدم الاكتراث لثلث الشعب اللبناني الجائع والمحروم من أبسط مقومات العيش، والعاطل عن العمل والانتاج.
9. لقد ثار الشعب وعبر عن غضبه ورفضه لمثل هذه السياسة الهدامة في تظاهرات متتالية محقة وعادلة. فلا يحق للمسؤولين أن يصموا آذانهم عن أنين الشعب في مطالبه الحياتية. لذلك نطالب مع غيرنا بحكومة مصغرة من اشخاص ذوي اختصاص ومفهوم سليم للسياسة وحياديين، يعملون أولا على إجراء الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات وفق الآلية التي وضعها مؤتمر سيدر الذي التأم في باريس في نيسان الماضي، وقد مضى عليه تسعة أشهر، ويوظفون الأحد عشر مليار دولار ونصفا في مشاريع إقتصادية منتجة. ويعمل فخامة رئيس الجمهورية على بناء الوحدة الوطنية الحقيقية بين مختلف الكتل النيابية حول طاولة حوار. أما القول بتأليف حكومة وحدة وطنية والجو مأزوم للغاية بين مكوناتها، فهذا يؤدي إلى تعطيل رسمي للحكومة ولمؤسسات الدولة، ويشد خناق الأزمة الإقتصادية والمعيشية على أعناق المواطنين.
9. إننا نصلي إلى العائلة المقدسة، لكي تحمي عائلاتنا وعائلتنا الوطنية، فتكون جماعة محبة وسعادة، لمجد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية للتهنئة بالأعياد المجيدة.