عام >عام
وقائع من تلوث الليطاني بمياه الصرف الصحي
وقائع من تلوث الليطاني بمياه الصرف الصحي ‎السبت 23 07 2016 12:31
وقائع من تلوث الليطاني بمياه الصرف الصحي
تلوث الليطاني يهدد الحياة البشرية والبيئية (الأرشيف)


لقد لاحظ الناشطون في «الحملة الوطنية لإنقاذ الليطاني»، ومعهم عدد من المواطنين ومالكي المنتزهات، ما بين بلدات زوطر الغربية وحتى شحور وصير الغربية وطيرفلسيه، تحسناً ملحوظاً في مياه النهر لجهة انخفاض نسبة الوحول فيه. لكن ما يشغل بال المهتمين هو بالإضافة إلى ترسّب الوحول في قاع النهر وحالة التقلب التي تطرأ عليه بين ساعة وأخرى، الكمية الكبيرة من مياه الصرف الصحي القادمة من بلدات عدة في البقاع الغربي وقضاء مرجعيون، فمن المسؤول عن حل هذه القضية؟
قبل الشروع في نقل المعلومات عن البلدات التي تصب مجاريرها في الليطاني، نود الإشارة الى أن الدولة اللبنانية متمثلة بوزارة الطاقة كانت قد تقدمت منذ سنوات بطلبات الى منظمات دولية فضلاً عن الإتحاد الأوروبي لمساعدتها في مكافحة تلوّث الليطاني وسد القرعون، وإلى بناء شبكات صرف صحي ومحطات معالجة، فقُدمت منح وأُرسل مختصون لا مجال لذكر تفاصيل ذلك هنا. ما يعنينا تحديداً في هذا المقال، هو أنّ بعض هذه المنظمات الدولية وخاصة «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO» قد وضعت معايير لتلك المحطات، ومطابقة هذه المعايير تقع على عاتق وزارات الطاقة والبيئة والزراعة والصحة والبلديات وباقي المؤسسات المعنية.
فقد جاء في تقرير لمنظمة FAO المذكورة أنفاً تحت عنوان «تقييم قطاع مياه الصرف الصحي المعالجة في لبنان» 2016، تفصيلاً للمعايير الواجب أخذها بالإعتبار، يمكن لنا أن نعرض ما له علاقة بقضية تلوّث نهر الليطاني بمياه الصرف الصحي.
يشدد التقرير على ضرورة أن يتم بناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي بالإستناد الى معلومات دقيقة تأخذ بالحسبان ما يوجد من «المسطحات المائية كالأنهار والبحيرات والمستنقعات، فضلاً عن المياه الجوفية»، ويحذّر التقرير من خطورة إهمال معطيات «الهيدرولوجيا أثناء بناء وتخطيط معالجة مياه الصرف الصحي... لأن تدفقات محطات معالجة مياه الصرف الصحي قد تؤثّر في المياه السطحية والمياه الجوفية على نحو مختلف، وقد تحمل تأثيرات قوية في نوعية المياه وتلوثها».
فما هو واقع شبكات الصرف الصحي في بلدات حوض نهر الليطاني الجنوبي، أي من سد القرعون نزولاً حتى القاسمية، وهل تمتلك كلها محطات للمعالجة وإلى أي حد تراعي تلك المحطات المعيار المذكور أعلاه؟.
في هذا المقال، نقدّم عرضاً وصفياً مرتكّزاً على مشاهدات ميدانية، يمكنها أن تغنينا عن أي كلام نظري، وذلك من خلال الإعتماد على معلومات دقيقة إستقيناها من مقابلة أجريناها مع رئيس بلدية زوطر الغربية ومنسق «الحملة الوطنية لإنقاذ الليطاني» حسن عز الدين وذلك نظراً لأن الأخير كان قد قام بجولات عدة على بلدات حوض النهر من مشغرة الى شحور.
يعدّد عز الدين تلك البلدات بدءا بمشغرة، هذه البلدة الكبيرة في وسط البقاع الغربي، والتي يبرر رئيس بلديتها الأمر، «بأن مجارير بلدته تجري باتجاه سهل البلدة». يعلّق عز الدين على ذلك قائلاً: «لكن هذه المياه الشديدة التلوّث لن تلبث مع أول شتوة أن تكمل طريقها لتصب في مجرى النهر». هنا نذكر أنّ في بلدة مشغرة شبكة صرف صحي لكن محطة المعالجة لا زالت في طور البناء.
أما بلدة يحمر القريبة من نبع عين الزرقا، الرافد الأساسي لنهر الليطاني في قسمه الجنوبي، هذه البلدة أقامت شبكة مجارير وخطا طويلا يصب في النهر. تقع تلك الشبكة عند نهاية المنتزهات والإستراحات والجلسات الخاصة على ضفاف النهر. يتساءل عز الدين: «ألا تشكل هذه المجارير خطراً على عين الزرقا قبل النهر؟». مضيفاً «أخشى ما أخشاه أن تكون مياه الصرف الصحي قد لوّثت أو ستلوّث هذا النبع البالغ الأهمية بالنسبة الى المنطقة ولكل الجنوب».
ثم تأتي بلدة سحمر، وهنا المشكلة أكبر، لأنها بلدة كبيرة يسكنها أكثر من 20 ألف نسمة، وتصب مجاريرها في النهر آتية من ثلاث جهات. مع الإشارة الى أنّ رئيس بلدية سحمر كان قد أعلن انضمامه الى «الحملة الوطنية لإنقاذ الليطاني» وأبدى استعداده لحل هذه المشكلة ولكن بالتعاون مع مؤسسات الدولة لضعف إمكانيات بلديته. يستقبل عز الدين هذا الخبر بالقول: «هذه مبادرة حسن نية، سنُعطي السيد الخشن مهلة، كونه ما زال جديدا في منصبه، وسنتعاون معه ونقدم له كل ما نستطيع، ولكن عليه أن يُوجد حلاً».
أما القرى التالية: قليا، الدلافة، برغز، بلاط، وهي قرى صغيرة، فلا وجود لمجارير تصب في النهر، وهي تعتمد على الجوّر الصحية.
يصل عز الدين إلى مشكلة أخرى في بلدة دبين، التي تمتلك شبكة صرف صحي، ولكن من دون محطة معالجة حديثة، إذ تعتمد لأجل تكرير مياه صرفها الصحي على ثلاث برك، يظن صاحب هذه الفكرة أنه «بانتقال مياه الصرف الصحي من بركة إلى أخرى تحصل المعالجة وتصبح هذه المياه غير ملوثة». ينتقد عز الدين هذه التقنية البدائية وغير المجدية ويقول ساخراً: «من هو هذا الذكي صاحب هذه الفكرة، فها هي البرك قد كسحت وفاضت لتصب مجددا في مجرى النهر؟ أين البديل؟» داعياً رئيس بلدية دبين، إلى عدم إنتظار المنح من بعض الدول، والى المباشرة في بناء المزيد من البرك، وذلك كحل مؤقت، وبغية كف الأذى عن نهر الليطاني.
يذكر عز الدين أنّه قبل سنوات جاءه وفد من الإتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار، وعرض عليه إقامة محطة في بلدة زوطر الغربية لمعالجة مياه الصرف الصحي على غرار المحطات الأخرى، على أن يموّلها الإتحاد الأوروبي، وينفذها المقاولون العرب ومجلس الإنماء والإعمار، لكن عز الدين رفض. فبادره أحد أعضاء الوفد الأوروبي معلقاُ على رفضه لمشروع المحطة بالقول «سيد عز الدين، بلدتك تدفع ثمن رفضك لهذا المشروع الحيوي». فرد عز الدين عليه قائلا: «برفضي هذا أكون قد حميت نهر الليطاني من التلوّث، وهذه هي أولويتي».
ثم نأتي الى بلدة القليعة في قضاء مرجعيون، هذه البلدة البعيدة نسبياً، تحوّل مجاريرها إلى وادٍ منحدر باتجاه الليطاني. يدّعي رئيس بلديتها أنّ مياه الصرف القادمة من القليعة «تنشّفها الشمس قبل أن تصل إلى النهر»، يرد عز الدين على هذا التبرير قائلاً «هذا كلام لا معنى له، وتبرير غير منطقي بتاتاً، فالاًرض هناك طريّة وتمتص هذه المياه الملوّثة وستصل إلى النهر وإلى المياه الجوفية والينابيع القريبة إن عاجلاً أو آجلاً».
أمّا بلدة دير ميماس، فتصب مياه صرفها الصحي في النهر أيضاً بعد أن تمر بمحطة بدائية للمعالجة. وكان رئيس بلديتها قد رد على سؤال عزالدين بالقول: «نحن نعالج مياه الصرف الصحي ولا يمكن لأحد الحكم على المياه المعالجة إلا إذا كان من ذوي الإختصاص». يسخر عز الدين من هذا القول: «ألذلك يمتنع أهل بلدة دير ميماس منذ ثلاث سنوات من السباحة في النهر؟». يعد عز الدين بفحص هذه المياه سيما وأن المدّعي العام البيئي كان قد أيد هذا الإجراء على أن يصاحبه في هذه المهمة طبيب مختص.
أما مدينة مرجعيون ومعها بلدة برج الملوك، فتستخدمان شبكات صرف صحي ومحطات معالجة تقعان لغير جهة النهر.
نصل في جولتنا إلى بلدة يحمر الشقيف، هذه البلدة أيضا عندها شبكة صرف ونفس طريقة المعالجة، حيث لا تبعد محطة التكرير أكثر من 50 متراً عن مجرى النهر، وتصب أكثر مياه صرفها الصحي فيه.
أما زوطر الشرقية وكفرصير، فلا زالتا تنتظران تشيّيد البرك لتشغيّل شبكة الصرف الصحي.
يتساءل عز الدين، «ما العمل إذا امتلأت هذه البرك أو في حال هطول مطر غزير، ألن تفيض هذه البرك وتصب في النهر؟ ومع ما يصاحب تلك المياه من أنواع بكتيريا قادرة على التأقلم والإستيطان في مياه النهر؟».
يتوعد عز الدين رؤساء البلديات الذين يتجاهلون مطالب الناس و «الحملة الوطنية لإنقاذ الليطاني» بأن يقدم ضدهم دعاوى لدى المدّعي العام البيئي مؤكداً: «نعطي مهلاً محددة للبلدات التي تصب مجاريرها في الليطاني، فإذا لم تضع حداً لهذا الإنتهاك الفاضح لبيئة النهر ولصحة المواطنين، فسندّعي عليها بالاسم». يضيف: «كل مرملة تخالف، سندّعي عليها بالاسم، سنكون لهم بالمرصاد، كفى عبثاً ببيئتنا ونهرنا وصحة أطفالنا».
وها هي وزارة البيئة لا تتابع حتى تراخيص أصحاب المرامل، هذه الوزارة في عالم آخر.
يُبدي عز الدين إرتياحه لأنّ أكثر المرامل ما بين جسر الخردلي و «جسر لحد» في منطقة العيشية لم تعد ترمي وحولها في النهر، لكن وحسب قوله: «مرامل أعالي العيشية والريحان هي بعيدة نسبياً عن مجرى الليطاني وتلك من مسؤولية وزارة البيئة والجمعيات المعنية بالحفاظ على الثروة الحرجية للبنان، لأن أولويتنا محصورة حالياً بتلوّث نهر الليطاني وهذا الحِمل وحده يُثقل كاهلنا»، وختم داعياً الى تضافر الجهود كافة بغية إيجاد حل لهذه الكارثة البيئية التي تصيب كل لبنان، إن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
في الختام نتساءل، في الوقت الذي تطرح فيه بعض المنظمات الدولية وبالتنسيق مع وزارة الطاقة اللبنانية مشاريع مثل «التأقلم مع شح المياه ودور الزراعة»، والسعي الى «تعزيز الإستخدام الآمن لمياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة». نجد الواقع مختلف كلياً عن تلك المشاريع، فأغلب شبكات الصرف الصحي من دون محطات تكرير. وفي حال وجدت تلك المحطات تجدها غير متّقنة أو بدائية أو مهملة.
أرادوا المساعدة في توفير مصادر جديدة للري فخرّبوا أهم مصادر الري اللبنانية قاطبة «الليطاني»، فيما وزارة الطاقة ومعها البيئة والأشغال، كلها تغط في سُبات عميق، فمتى تستيقظوا؟

- علي مزيد

المصدر : السفير