لبنانيات >أخبار لبنانية
"جنته الثقافية".. حلم تحقّق - بقلم وفاء ناصر
"جنته الثقافية".. حلم تحقّق - بقلم وفاء ناصر ‎الأحد 27 06 2021 21:11
"جنته الثقافية".. حلم تحقّق - بقلم وفاء ناصر

جنوبيات

حين وجد أن الحياة مليئة  بالسطحية والخمول واللاتفاعل هرب إلى ذاته، بحث في أعماقه ووجد فيها حلما ينتظر تحقيقه.

"كافيه CofyBook هو حلم يكمن في داخل كل انسان لا يمتلك الجرأة ولا الإصرار لتحقيقه وإخراجه من الرغبة الذاتية إلى الغاية المجتمعية العلنية"، و "الخمول لا ينفك يضعف الإلهام". لذلك على الإنسان أن يبقي عقله مشغولا لكي يبقى موجودا.

دائما ما نختبئ خلف ظلال أصابعنا، نلقي المسؤولية في تقصيرنا على الظروف ونتخذها شماعة لانعدام جرأتنا على المواجهة، متناسين أن في قوة الإرادة ورفع مستوى الطموح خطوة أساسية نحو التغيير إن تم تحديد الاهداف. وهذا التغيير الذي يبدأ ذاتيا لا يلبث أن يطال البيئة المحيطة رويدا رويدا حتى لو لم يحظ بالدعم النفسي.

مللت من سهرات الأصدقاء الفارغة والخالية من أي نقاش لا يتخطى المواضيع السياسية، وسئمت من صوت المياه الذي يجتاح أذني من كل حدب وصوب مع كل سحبة نرجيلة في جلساتنا المتكررة، فقررت أن أتخلى عن عادة التدخين واستبدالها بنظام رياضي وصحي واتخذت من الكتاب رفيقا دائما لي أنهل منه دون شبع.

بحماسة عالية وأمل كبير ترجم حسن صالح مشروعه ميدانيا رغم عدم تلقيه الدعم والتشجيع من المقربين والأصدقاء على حد سواء. إصراره على تحقيق حلمه ساهم في انتشار صيته على نطاق واسع وتخطيه مجرد الاستقطاب العائلي.

"بيخلق من الشبه أربعين" تتعدى هذه العبارة مضمونها الشكلي البسيط وتستقر عند التشابه الفكري. ومع انطلاقة مشروع حسن وتعرفه على أشخاص آخرين يتشاركون معه في الأفكار والمستوى الثقافي أشرقت روح ابن بلدة عربصاليم وباتت الطمأنينة تسكن قلبه.

كبرت مكتبته المنزلية، وقرر أن ينقلها الى مكان آخر لمشاركة الآخرين حبه وتعطشه للمطالعة. فنمت المكتبة تلقائيا بفعل الإصرار والمثابرة، وتحول حلمه إلى حقيقة؛ مكان ثقافي مليء بالكتب وخال من التدخين أطلق عليه "cofybook".

استطاع حسن بعزيمة صلبة وإرادة تغييرية ان يؤثر إيجابيا في بيئته. ورغم إيلائه الناشئة أهمية كبرى في النشاطات لأنهم "مشروع السلطة الحاكمة المستقبلية والرهان عليهم" غير أن رغبته في استثمار أوقات الفراغ بشكل نافع ومفيد استهدفت مختلف الفئات العمرية ودفعته إلى تكثيف النشاطات التي يقدمها.

في هذا المكان الذي يعتبره "جنة حسن" والتي صنعها بكل حب وفن وذوق منكهة بلمسات جمالية، شعر أنه موجود.
لم يكتف ببيع الكتب أو إيجارها أو حتى إتاحة الفرصة للزبون بمطالعة كتاب معين أثناء ارتشاف القهوة، بل أقام ورش عمل متنوعة، استقدم حكواتيا، خصص أياما محددة لعرض أفلام بغية مناقشتها بعد مشاهدتها، أقام لقاءات وجلسات نقاشية أسبوعية لمواضيع متنوعة تجذب شرائح مختلفة وفرد فسحات مخصصة للطلاب الذين يريدون الدرس سويا في بيئة ثقافية حاضنة دون أن ينسى حاجة الأطفال إلى نشاطات ترفيهية وتربوية.

رغبة حسن بتغيير الآخر من حوله ليست عبثية وتتخطى كونها عدوى آنية تتلاشى بمرور الوقت. كان نيئا فنضج حينما استمد الحياة من الكتاب وانقلبت حياته راسا على عقب. اختلفت نظرته إلى الحياة، تلاشت العنصرية بعدما تحول من ابن بيئته إلى ابن فكره، تبلورت رؤيته وأصبح أكثر تسامحا ومحبة للآخر. الكتاب بنظره حياة ومشروع وعي.

كبرنا على مقولة "خير جليس في الانام كتاب" واعتدنا على المطالعة واشباع تعطشنا للمعرفة. لكن في ظل التيارات العكسية التي تؤرق مضاجع حياتنا اليومية وتعذر بعضنا تأمين قوت يومه، ترتفع اسعار الكتب بشكل غير منطقي ويتحول الكتاب من تذكرة عبور مجانية تنقل الروح عبر الخيال والتخيل من الواقع الى عالم آخر إلى عبء كبير ينغص طموح الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة الآيلة في التلاشي. فتغدو في هذه الحالة شريكة في التآمر على مواطنين يتزودون من زبد الكتاب ويستمتعون بملمس ورائحة أوراقه.

المصدر : جنوبيات