مقالات مختارة >مقالات مختارة
هكذا انطلقت إستقالة قرداحي من باريس وموسكو إلى بيروت
هكذا انطلقت إستقالة قرداحي من باريس وموسكو إلى بيروت ‎السبت 4 12 2021 12:01
هكذا انطلقت إستقالة قرداحي من باريس وموسكو إلى بيروت

وجدي العريضي

أخيراً فعلها وزير الإعلام جورج قرداحي واستقال. والسؤال: هل تعيد هذه الإستقالة الحكومة إلى جلساتها، وتُحلّ الأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، بعدما باتت الإستقالة "القرداحية" في جَيب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟ مع الإشارة إلى أن "النهار" كانت قد كشفت عن سيناريو يجري الإعداد له لاستقالة وزير الإعلام، وبالتالي أن يصل الرئيس الفرنسي إلى الرياض متأبّطاً حلاً قد يساعده في إعادة لملمة الوضع بين لبنان والخليج.

في السياق، تكشف مصادر سياسية متابعة ومواكبة لـ"النهار"، عن اتصالات ومشاورات بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة من باريس إلى موسكو وصولاً إلى بيروت، بحيث كانت لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، مساعٍ حثيثة واتصالات مع كبار المسؤولين الإيرانيين وسواهم من الدول التي تربطها علاقات وثيقة بما يسمى فريق الممانعة في لبنان، لحضّ "حزب الله" على الإفراج عن استقالة قرداحي، بعدما كان رافضاً لها، وإلا يتم إخراج وزراء "الثنائي الشيعي" من الحكومة الميقاتية. وأُفيد أن بوغدانوف كان متشدّداً وحازماً في هذه المشاورات التي أجراها بعيداً من الأضواء، إضافة إلى أن بعض المستشارين في الإليزيه تمنّوا عبر قنواتهم المفتوحة مع المسؤولين اللبنانيين ضرورة إقدام الحكومة اللبنانية على خطوة ملموسة تساعد الرئيس ماكرون في تنقية الأجواء وحلحلة الوضع المأزوم بين بيروت والرياض وسائر العواصم الخليجية، وحيث حملت رسالته عشية عيد الإستقلال أكثر من دلالة، بما معناه أن باريس مستاءة من الوضع اللبناني وأداء مسؤوليه، وما زاد الطين بلّة ما فعلوه مع السعودية والخليج، إلى أمور أخرى سياسية وقضائية، ومن ثم غياب أي خطوات إصلاحية.
وتشير المصادر إلى أن التعويل على لقاءات ماكرون في السعودية وقطر والإمارات، سيأتي بالنتائج المتوخاة مع ضمانات ومواقف سيعمّمها الرئيس الفرنسي على الدولة والحكومة اللبنانية، وبشكل حاسم وحازم، ومن ثم سيصار إلى اتصالات بين باريس وطهران لهذه الغاية، أي ممارسة إيران ضغوطها على "حزب الله". وهذا ما يؤكده مرجع سياسي على بيّنة من الوضع الخليجي من خلال صداقاته وتواصله مع أكثر من مسؤول في دول مجلس التعاون، أي أن تعقب استقالة قرداحي خطوات أخرى تتمحور حول وقف "حزب الله" وأعوانه الحملات على المملكة والخليج، وكفّ يده عن دعم الحوثيين لوجستياً وطبياً، وكل ما يتعلّق بهذه المسألة، إضافة إلى تجفيف منابع أي دعم للخلايا الإرهابية التي تعبث بأمن الخليج، وعدم إرسال الممنوعات إن عبر لبنان أو أي دولة أخرى، خصوصاً أن بعض العائدين من دولة الكويت يشيرون إلى غضب واستياء مما أفضت إليه التحقيقات في شأن الخلية الإرهابية التي جرت عملية إماطة اللثام عنها، بحيث هناك مفاجآت كبيرة، وهذا سيعقّد الأمور في حال لم تُتّخذ الإجراءات الرادعة.

وفي موازاة الدورين الفرنسي والروسي، فإن المعطى الداخلي لعب أيضاً دوره من خلال أجواء عن تحذيرات أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووضعها برسم كل من التقاهم لضرورة حسم استقالة قرداحي، وتأمين الأرضية الصلبة لعودة الأمور إلى نصابها بين لبنان والخليج، ولاسيما المملكة، وإلا يتّجه إلى الإعتكاف، لأن الإستقالة تعطّل مصالح الناس في خضم الظروف الخطيرة التي يمرّون بها، وتحديداً معيشياً وحياتياً، في حين فُتح خط بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحارة حريك، وصولاً إلى بنشعي، عبر اتصالات أجراها أخيراً مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيه. إلا أن بيان نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، كاد أن ينسف كل الإتصالات من خلال تشدّده بضرورة بقاء وزير الإعلام في منصبه، إلا أن الأمور عادت وصبّت بما معناه أن يتضمّن بيان الإستقالة مواقف نارية كمخرج لقرداحي، إذ كان بيانه بمثابة تمسّكه بالمواقف التي أدّت إلى الأزمة، ومن ثم انتقاداته لوسائل الإعلام، بحيث لوحظ التناغم في السياسة بينه وبين مواقف "حزب الله" والفريق الداعم له، إلى أن أتت الخاتمة "السعيدة" بتقديم الإستقالة بعدما تيقّن الجميع من أنه لا بد من هذه الخطوة، كي تكون مدخلاً لعودة فتح أبواب العلاقة مع دول الخليج.

ولا تستبعد الجهات المتابعة لهذا الملف، أن تتوالى الخطوات في الأيام المقبلة، ربطاً بما ستتمخّض عنه زيارة ماكرون للرياض، وترقّب تداعيات هذه الإستقالة، ولا يُستبعد أن يُستتبع ذلك بجولة رئاسية لبنانية في الخليج تنطلق من المملكة العربية السعودية في حال نجحت الجهود الآيلة الى هذا الهدف، وهذه المسألة يجري البحث فيها بشكل معمّق، على ألّا تتأخّر في ظل ما ينتظر لبنان من استحقاقات داهمة، وكونها تعود بالفائدة السياسية والإقتصادية، ولا سيما قبل حلول الأعياد، ودخول لبنان في مرحلة الإستعدادات للإستحقاقات الدستورية انطلاقاً من الإنتخابات النيابية.

المصدر : "النهار"