لبنانيات >أخبار لبنانية
لا بد من ثورة قضائية تطيح بالعهر السياسي؟!
لا بد من ثورة قضائية تطيح بالعهر السياسي؟! ‎الجمعة 25 03 2022 19:38
لا بد من ثورة قضائية تطيح بالعهر السياسي؟!

الدكتور طلال حمود

مساء البارحة، وبينما كنت اقود سيارتي على احد الطرق الضيّقة المليئة بالرادارات في وسط شرق فرنسا لم استطع ان اتمالك اعصابي عندما وصلني خبر دعوة حاكم مصرف لبنان لحضور جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء المقبل. نزل الخبر عليّ كالصّاعقة. تيقّنت أننا نعيش في بلد بلغ فيه العهر السياسي والمالي والقضائي اقصى درجاته وماذا يمنع ان يُعاد التجديد لرياض سلامة مرة اخرى لتكريمه على كل ما فعله وتسبّب به من إذلال لأكثر من ٣ ملايين مودع ولكل الشعب اللبناني وقد يُنتخب الرجل رئيساً للجمهورية ايضاً ولما لا؟
إننا نراهن على ان لا يكون هذا الخبر صحيحا وانا يعود الرئيس نجيب ميقاتي لأنّ هذه الدعوة تعتبر إهانة شريحة واسعة وعابرة لكل انواع الحدود الطائفية والمذهبية والمناطقية ؟ اذ كيف يعقل ان يدعو الرئيس ميقاتي الى هكذا جلسات رجل هارب من وجه العدالة إلى درجة أنه استعان آخر مرة بصديق حميم هو اللواء عماد عثمان لكي يُهرّبه من وجه العدالة ومن مواجهة القاضية غادة عون في ظاهرة خطيرة اشرنا اليها يومها حيث حصلت المهزلة الشهيرة التي أوحت للجميع ان هناك إما تقاسم ادوار او تنسيق بين جهازي امن الدولة وقوى الأمن الدخلي من اجل حماية وتهريب من تسبب بكل هذا الإنهيار بالتكافل والتضامن والتواطؤ المتبادل وفي كل الإتجاهات مع الطبقة الحاكمة الفاسدة وجمعية المصارف وبعض القضاء الساكت عن الحق وبعض الأجهزة الأمنية المُولجة بالأساس بإلقاء القبض على المجرمين وليس بحمايتهم وتهريبهم عندما يحتاج الأمر إلى هكذا إجراء.
اذا صحّت تلك الأخبار عن دعوة سلامة للتشاور والمشورة ووضع خطط الإنقاذ من ورطة المصارف مع الجسم القضائي وذلك بطلب مباشر من "الزعيم الأول لحزب مصرف لبنان" حالياً وهو الرئيس نجيب ميقاتي واعوانه وشركائه في السلطة وايضاً في خارجها سنكون ساعتها قد وصلنا الى قمة الإنحدار الأخلاقي والقيمي لأسباب واضحة ليست بحاجة للكثير من الشرح. ونكون قد اصبحنا في بلد بلغت فيه الطبقة الحاكمة وبعض القضاء غاية العهر والكذب والتآمر على الشعب وقمة النفاق واللا عدالة.
نعم، تصوروا معي ان نجتمع في لبنان مع السيد رياض سلامة وان نستشيره ونعمل بهدى ووحي خططه بعد كل هذا الجحيم الذي اوصلتنا سياساته اليه، وبعد هذا الكمّ الهائل من الجرائم المالية والنقيدية التي ارتكبها بحق لبنان وشعبه، وبعد ان فُتحت في وجهه ملفات في اكثر من ست دول اوروبية وفي لبنان ايضاً!  فهذا خبر لم اقدر ان اصدقه ولازلت لا اصدقه حتى اللحظة برغم انه واقع؟!
ومن جهة اخرى وفي ذات السياق القضائي،  إتصل بي البارحة عدد كبير من الأصدقاء الذين يعرفون انني اتابع قدر الإمكان ادق تفاصيل ملف الودائع وملف الأموال المُحوّلة و المهرّبة والمنهوبة كمنسّق لملتقى حوار وعطاء بلا حدود وكرئيس لجمعية ودائعنا حقّنا لأنني مؤمن بحق بأن قضية المودعين قضية مقدّسة وعادلة بعكس ما يدّعي زوراً معظم الزعماء والساسة المنافقون في لبنان؟!  خاصة وانني متأكد منذ زمن طويل بأن مفتاح الخلاص الوطني والقضاء على الفساد هو بفتح الطريق امام وجود قضاء عادل مستقل وفعّال، وذلك لمعرفة خلفية ما نُقل عن لسان القاضي نقولا طنوس.
وقد أكّد معظم المتصلون لي عدم صحة ما نُقل عن لسانه. إذ قالت مصادر إعلامية  انه قد قال ودائماً بحسب تلك المصادر : ("يريدون مني ان ألاحق رياض ورجا سلامة في ملف بلغت فيه قيمة الأموال المنهوبة فقط ٣٠٠ مليون دولار في حين ان الأموال المنهوبة في القطاع المصرفي تُقدّر بحوالي ٨٠ مليار دولار"). واكدوا لي انّ هذا الكلام غير دقيق وتمنيت طيلة النهار ان يصدقوا في تقديراتهم وبقيت متوتراً تقريباً حتى بداية بعد الظهر لأن ما رشح في البداية من تسريبات عن سير  التحقيقات لم يكن مُطمئنا خاصةً وان محامي الدائرة القانونية في مجموعة "روّاد العدالة" كانوا قد اعلنوا صباحا ان القاضي منصور منعهم من حضور جلسة التحقيق مع رجا سلامة خلافاً للأصول وانهم كانوا يستعدون للإستئناف وللتصعيد تجاه ما قام به القاضي منصور. لكننا عدنا الى حالة تفاؤل مقرونة بالكثير من الحذر بعدما علمنا لاحقاً ان منصور اصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق رجا سلامة وانه حدّد جلسة يوم الخميس للإستماع الى شقيقه رياض!
كل المؤشرات تشير ببدء تهاوي الشبكة السياسية الحاكمة، بحيث لم يفلح الرئيس نجيب ميقاتي حامي الفساد في الترويض الكامل للقضاء حتى الساعة رغم الكلام الذي نُشر منذ ايام عن "صفقة ثلاثية" تؤدي الى نوع من المقايضة من ملف التحقيقات مع الحاكم وحزب المصرف وملف تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت. تقضي بنودها بتطيير رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وتقود بالتالي الى تغيير او ترويض القاضي طارق بيطار الممسك دون اية مهادنة حتى اليوم ورغم كل ما حصل وبيد حديدية  بملف التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت. ومن المؤشرات ايضاً وجود حالة تشبه العصيان او التمرّد القضائي وعدم التماس الجدوى المطلوبة من ممارسة كل الضغوطات التي يمارسها الرئيسان ميقاتي وبرّي على الجسم القضائي.
كذلك تمرّد كل من رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود ومدّعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد عن الحضور الى مجلس الوزراء وبحيث نُقل عنهم اجواء تقول بأن القضاء يستدعي ولا يُستدعى وهذا ما اغاظ بشكلٍ كبير الرئيس ميقاتي ودفعه الى اخذ قرار بعقد الصفقة التي ذكرنا بنودها آنفاً لأنه لم يستطع ان يهضم هكذا كلام وهو الذي كان يعتبر طيلة مسيرته السياسية ومعه الكثير من الساسة الحلفاء ان القضاء ورجالاته في جيوبهم وانهم يستطيعون ان يملوا اراداتهم على مجمل الجسم القضائي ساعة يريدون وكيفما يريدون وأينما يريدون؟
في هذا المسار تأتي ايضا صلابة القاضي غادة عون وعدم تراجعها وخضوعها واستمرارها في ملاحقة آخر تفاصيل عمليات النهب التي حصلت في المصارف والتي اتّخذت إجراءات جبّارة وشجاعةً جداً في هذا المجال. وقد اتى موقف القاضي منصور اليوم وتسطيره مذكرة التوقيف بحقّ رجا سلامة واستدعاء شقيقه رياض سلامة ليؤكد ان هناك شيء ما قد تغيّر في تعاطي القضاء اللبناني مع ملفّات الفساد وإن تباشير ثورة القضاء قد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً. وقد جاء في ذلك السياق ايضاً قرار وإصرار القاضي طنوس  على ملاحقة رؤساء واعضاء مجالس ادارة المصارف،  وعودة القاضي عقيقي لإستدعاء سمير جعجع في جريمة عين الرمانة. كل ذلك يشي كما قلت بإنتفاضة يقوم بها القضاء ستجعل الرئيس نجيب ميقاتي يخرج عن طوره بعد ان اسقط بيده.
وننهي حديثنا بالتذكير بهذه الواقعة التاريخية الشهيرة والمليئة بالمعاني والعبر والتي حصلت عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، وحيث سأل تشرشل احد المسؤولين في إدارته عن واقع القضاء البريطاني في ظل تساقط الصورايخ والقصف العنيف التي كانت تشنّه قوات هتلر على لندن. وحين قالوا له  يومها ان القضاء بخير، قال اذاً لا خوف على بريطانيا ما دام القضاء يعمل بشكل طبيعي.
 فهل سيتحقق حلمنا ونستيقظ قريباً على ثورة قضائية عارمة تُسقط كل هذا العهر والفساد السياسي والمالي والمصرفي الذي طال بعضه ايضاً بكل تأكيد بعض القضاء وبعض العسكر طيلة السنوات الماضية؟!
د. طلال حمود
منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود
رئيس جمعية ودائعنا حقّنا