ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
رجل بلونٍ أصفر
رجل بلونٍ أصفر ‎الاثنين 27 09 2021 12:30
رجل بلونٍ أصفر

علي زعرور

خريفية هذه الأيام بعد أن رحلت فصول حياتها  تثلم في ثغرها غصّات من قيح  معاناة، وتنحت في وجنتيها مأساة من لون أصفر تعرّت أوراقها المنفلتة من عقالها بعد أن تجمّدت مؤثراتها الكارثية تحت وطأة أفعال منبوذة من معاقل الرجولة.

يبدو أن بسمة الحظ لم تندرج في قاموسها، خصومتها القسرية اشرأبّت أغصانها حين قذف القدر ريعان شبابها إلى مكان منسيّ من الجغرافية، عائلة ملوّنة عاداتها ب"فوبيا" من غيرة قاتلة، دسّت سمها في ذهنية رجل بلون أصفر بينه وبين الموجبات الزوجية رحلة ضوئية بلا محطة، ومشاعر متجمدة على قياس ريختر.

على صفحات من عقد حياة امتشق هامة الأقلام يلوّن بها زيف إدعاءاته على مسامعها، حياة وردية وكلام معسول يتداخل فيه تفله مع سكره  وفي مذاقه حلكة بانت بداية مواسمها حين تمخّض عن هذا العقد ثنائية زوجية بفوارق جلّ ما فيها أنها دونية المنشأ الرجولي وسماوية الحضور الأنثوي.

ذيول تجاربه السابقة أعطته مكرهة صفة الأبوة المتأرجحة بين غياب كلّي وحضور جزئي يرمي فيها أثقاله على عاتقها، بعد أن تعاطت معهم كحروف مبتدأ في حياتها الزوجية لا مجرد صفة منزوعة الصلاحية، هي لم تدرك أن التضحية في غير مكانها عبثية المنشأ، وضراوتها كحصان طروادة يخبئ لها الكثير من المباغتات القاتلة في روزنامة أيامها المنصرمة والقادمة.

بيدين تهرول خلف مشيئة ربانية، انفرجت أساريرها لبرهات زمنية على قياس كوكبنا الأرضي، ظنت من خلالها أن التغيير المناخي آتٍ وثقب الأوزون الزوجي سوف يندمل حين شبّت في أحضانها قرّة عين كانت مأسوفة  على موعد مع معاناة تنتظرها في أول محطة من قطار بلوغها، يراودها إنقلاب ذكوري منبجسٍ من مجتمع يقلّب المفاهيم وفقا لأهوائه وغاياته المزعومة.

حقوقها الموؤودة من زمن الجاهلية لم تبعث إلى الحياة، وبقيت مغلفة بمواربات فعل ظالمة وتبريرات همايونية منتدبة من سلطنة الذكورة وغارقة في تبعية، فحواها أن الأنثى حرف تابع لرجل ولا ضرورة لأن ترث، فالإرث معطوف على رجولة أخرى، وبين الرجولة الأبوية والرجولة الزوجية تهافت التهافت.

أمام هذه المشهدية المريرة، وخشية من ضياع حقٍ مؤجلٍ إلى زمنٍ أغبر، استطاعت عبر كيد أنثوي مشروع أن تنتزعه بقصاصة ورق لمعالم المرحلة المقبلة، حين يفرض النزاع مزاعمه وتعتلي الهمة أصوات الباحثين عن حقوق مكتسبة لا محال.

يبدو أن قصاصة الورق، الشاهد الحق في آتون خصومة قادمة قد قصمت ظهر استمرارية العائلة، وفتيلها أجّجته زفرات مسعورة من ألسن لا تضمر إلا شرذمة علاقة او إبقائها تحت جمر خامد من المناوشات الكيدية. 

قدرة التحمل قد ينضب زيتها وينطفئ سراجها أمام دماثة الأفعال المستحضرة من رجعية متخلفة، بوح حياتها رهن بما ستؤول اليه الأيام رغم تجرّعها حنظل كأسها بصبر فيه ثبات وبصيرة.

المصدر : جنوبيات