بأقلامهم >بأقلامهم
"أعيدوا ترتيب السّقاية"
"أعيدوا ترتيب السّقاية" ‎الثلاثاء 4 07 2023 10:15 القاضي م جمال الحلو
"أعيدوا ترتيب السّقاية"

جنوبيات

يُروى في زمان الصّلاح والبحث عن الإصلاح أنّ هناك رجلًا صالحًا أقام سقاية للنّاس وجعلها وقفًا لوجه الله تعالى.

وذات يوم تفاجأ النّاس بأنّ سقايتهم قد لوّثها أحدهم بالقاذورات والأوساخ. فأخبروا الرجل الصّالح بهذا الفعل المشين، فقال لهم:
 "لا بأس أعيدوا ترتيبها وبناءها".
ففعلوا، وفي اليوم التالي فوجئ النّاس بأنّ سقايتهم قد تلوّثت مجدّدًا، وأخذوا يصرخون:
 "من هذا الذي يلوّث صدقة جارية لصالح العباد"؟
وذهبوا إلى الرّجل الصّالح يخبرونه بما حصل فقال لهم:
 "لا بأس أعيدوا ترتيبها مجدّدًا"، واختبئوا في ستار الليل وراء حجب، وانظروا من يقوم بذلك، وإذا عرفتموه اكتموا أمره ولا تكلّموه وأعلموني في الصّباح ما سيحدث معكم. 
وفي صباح اليوم التالي قدموا إليه على "استحياء وشعور بإلاحباط" يقولون له: ماذا نقول لك يا سيّدي؟ 
قال: ماذا حصل؟ أخبروني بلا وجل. 
فقالوا له: إنّ الفاعل هو ابن عمّك فلان.
فقال:
 "لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم". الزموا الصّمت واكتموا أمره، ولا تحدّثوا أحدًا عن فعلته. 
ثمّ قال لهم تكرارًا:
 "أعيدوا ترتيب السقاية وبناءها".
ولما جنّ الليل ذهب الرّجل الصّالح يطرق بيت ابن عمّه، وأخذ معه كيسًا من القمح، وآخر من السكّر، كما أخذ معه طيبًا وبعض النقود،  فقرع باب بيت ابن عمّه الذي قال:
من الطارق؟ 
فقال الرجل الصالح: خويدمكم (وهي كلمة تصغير لكلمة خادم). 
ولمّا فتح الباب وجد أنّ الطّارق ابن عمّه فقال له: ماذا تريد؟
فأجابه بلطف العبارة مع ابتسامة رقيقة:
 "جئتك يا ابن عمّي معتذرًا لك، فأنا مقصّر في حقك، ولم أزرك منذ فترة طويلة، ولم أسأل عنك، أرجو أن تسامحني لما بيننا من صلة رحم". 

وأخذ يلاطفه، ولم يذكر له قصّة تلويثه السّقاية، بل إنّه أكرمه وأعطاه ما معه من الأكياس مع النّقود والطّيب وانصرف إلى حاله. 
وعلى أثر ذلك اجتمع الرّجل الصّالح بأصحابه وطلب إليهم أن ينظروا الليلة في أمر السقاية.
فلمّا انتصف الليل أتى ابن عمّه مجدّدًا، ولكن هذه المرّة ليس لتلويث السّقاية، بل مبخّرًا إيّاها بالطّيب الذي أعطاه إيّاه ابن عمّه الرجل الطيّب. 
فانبهر النّاس من التحوّل العجيب الذي حصل لابن عمّ الرّجل الصّالح، إذ تحوّل في لحظة من عدوّ إلى صديق حميم.
 ومن منطلق هذه الحادثة، إذا أردنا التخلّص من المشاكل التي تواجهنا مع الآخرين، علينا أن نحسن لمن أساء إلينا، وأن لا نواجه الإساءة بالإساءة
. قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اعْفُ عمَّنْ ظَلَمَكَ، وصِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وأحسنْ إلى مَنْ أساءَ إليكَ، وقُل الحقَّ ولَوْ على نفسِكَ".
حتّى تتصافى قلوبنا فلنمضِ يدًا بيد لبناء بيوتنا وبلادنا على أسس ثابتة من الأخلاق والقيم الحميدة. 
"فبالأخلاق والقيم تنهض الأمم".

المصدر : جنوبيات