بأقلامهم >بأقلامهم
بين ردِّ الدولة وتصعيد "الحزب"!



جنوبيات
تسلَّم الموفد الأميركي توم باراك أمس الرد الرسمي من الدولة اللبنانية على المقترحات الأميركية المتعلقة بملف سلاح حزب الله وترسيم الحدود الجنوبية، في خطوة من المفترض أن تُمثل بداية مسار تفاوضي دقيق يتطلب توافقاً داخلياً لبنانياً لم يتوافر بعد. الرد اللبناني، الذي حاول الحفاظ على قدر من التوازن بين السيادة والواقعية السياسية، جاء في لحظة بالغة الحساسية، محاطاً بتصعيد سياسي وإعلامي واضح من قبل حزب الله ضد الولايات المتحدة، ما يعقّد مهمة باراك ويضع الوساطة الأميركية أمام تحديات غير بسيطة.
فالرد الرسمي، الذي بدا منضبطاً في لغته ومضمونه، لم يعكس بالضرورة موقفاً موحّداً على الساحة اللبنانية، بل جاء، كما يبدو، نتيجة تسوية مؤقتة بين الأطراف الرسمية، دون أن يلامس فعلياً جوهر الأزمة المتمثّل في سلاح حزب الله وقرار الحرب والسلم. في المقابل، اختار الحزب التصعيد ضد واشنطن، متهماً إياها بالسعي لفرض شروط على لبنان خدمةً لمصالح إسرائيل، ورافضاً أي نقاش حول «سلاح المقاومة» خارج معادلة الردع التي يتمسك بها.
هذا التناقض بين خطاب الدولة الرسمي ونهج حزب الله يضع لبنان أمام مفترق خطير. فبينما تسعى الدولة إلى كسب الوقت وتفادي الصدام المباشر، يعمل الحزب على ترسيخ معادلاته بالقوة، ما يُضعف من قدرة لبنان على خوض مفاوضات جدّية بغطاء دولي. والأسوأ أن هذا الانقسام يرسل إشارات سلبية إلى الخارج، مفادها أن لبنان لا يزال عاجزاً عن تنفيذ إلتزاماته واتخاذ موقف موحّد وحاسم، ما قد يدفع الوسيط الأميركي إلى إعادة تقييم دوره وجدوى استمراره.
إن المرحلة المقبلة مرهونة بمدى قدرة الدولة اللبنانية على فرض مرجعيتها، لا في النصوص فحسب، بل في القرار والتنفيذ. أما التصعيد الكلامي فلا يخدم سوى تأزيم المشهد الداخلي، واستفزاز المجتمع الدولي، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى أقصى درجات التهدئة والانفتاح للخروج من أزمته المتعددة الأوجه.
الواقع أن ما بعد زيارة باراك لن يكون استراحة دبلوماسية، بل بداية اختبار حقيقي يضع البلاد والعباد على محك أزمة متفجرة جديدة: هل تتقدّم الدولة بخطوات فعلية نحو استعادة القرار السيادي، أم يفرض حزب الله إيقاعه على الداخل والخارج معاً؟
الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان لبنان قادراً على الإمساك بخيوط مستقبله أم سيبقى أسير التجاذبات والمواقف المتضادة في الداخل، ورهينة الإعتداءات الإسرائيلية والضغوط الديبلوماسية والإقتصادية من الخارج.