بأقلامهم >بأقلامهم
​"حسن الحاج… القاضي الجريء"
​"حسن الحاج… القاضي الجريء" ‎الأربعاء 23 07 2025 15:53 القاضي م جمال الحلو
​"حسن الحاج… القاضي الجريء"

جنوبيات

في سجل القضاء اللبنانيّ أسماءٌ راسخة لم تُكتب بالحبر فقط، بل بالنّزاهة والشّجاعة والمواقف. ومن بين هذه الأسماء، يبرز اسم القاضي حسن الحاج، الذي ترك بصمة مميزة على المستويين القضائيّ والإداريّ، وتميّز بجرأته المبدئيّة واتّزانه الأخلاقي، فكان أكثر من مجرد قاضٍ… كان ضميرًا حيًّا في زمن الالتباس.

 هو قامة قضائيّة تُحتذى، وقدوة حسنة لمحبّيه.
وُلد حسن الحاج في كنف القانون، وتشبّع منذ بداياته بروح العدالة والتّجرّد، فشقّ طريقه بثبات داخل السلّك القضائي حتى بلغ عضويّة مجلس القضاء الأعلى مرّتين، وهو ما يعكس ثقة كبرى من زملائه في استقامته ورجاحة حكمته.

لم يكن وجوده في هذا الموقع الإداري الأعلى في السّلطة القضائية شكليًا، بل حمل معه رؤية إصلاحية واضحة، وعُرف بقدرته على التّمييز بين القانون كأداة، والعدالة كقيمة. 
كان صوته مسموعًا في لحظات الصّمت، وقراره جريئًا حين يتهيّب الآخرون المبادرة.

هو الرّائد الإداريّ الأول لمحاكم الاستئناف.
ففي سابقة على المستوى اللبناني، تولّى القاضي حسن الحاج مسؤولية الرئاسة الأولى لمحاكم محافظة البقاع، ليؤسّس نموذجًا إداريًا يعيد الاعتبار لدور القاضي الموجّه لتحقيق العدالة.

ثم نُقل إلى محافظة الشّمال، حيث واصل حضوره الحازم، جامعًا بين هيبة الموقع وحكمة القاضي الرّصين.
لم يكن بيروقراطيًا نمطيًا، بل صاحب مشروع يوازن بين متطلبات العدالة وحقوق النّاس. أدار الملفات بحنكة، وحوّل المواقع القضائيّة إلى منابر للإصلاح، لا مجرد محطّات عبور وظيفيّ.

هو قاضٍ في حضرة الدّولة تُرفع له القبّعة.

اختُتمت مسيرته القضائيّة في موقع رفيع آخر: 
مفوّض الحكومة لدى مجلس شورى الدّولة، وهو منصب قضائيّ دقيق يختزل التّوازن بين القانون والسّياسة والإدارة. هناك، مارس القاضي حسن الحاج دوره بروح الحياد الصّارم، متفاديًا الإغراءات والضّغوط، فكان فعلاً المدافع الأول عن انتظام العمل الإداري وسمو القانون.
كما تولّى أيضًا مهام نائب رئيس مكتب مجلس شورى الدولة، فأضاف بعدًا تنظيميًا وخبرة معمّقة إلى العمل القضائي، مؤمنًا بأن القضاء الإداري هو حصن المواطنين الأخير ضد تعسّف السّلطة.

هو باختصار لحالة الكبار القاضي الجريء… في القول والموقف...

ما ميّز القاضي حسن الحاج على الدّوام، لم يكن فقط المناصب التي شغلها، بل الجرأة الأخلاقيّة التي تحلّى بها.
 لم يكن من الصّنف الذي يتوارى خلف النّصوص، بل خاض في عمق المبادئ، حيث تقتضي الشّجاعة أن تُقال الكلمة، حتى لو لم تكن مرضيًّا عنها.

لم يجامل في الحقّ.

لم يُساوم في الشّفافيّة.

لم يخشَ قول "لا" حين كان الصّمت مكلفًا.

ومع ذلك، ظلّ في كل ذلك متزنًا، رصينًا، يحسب للكلمة وقعها، وللعدل أثره، وللمسؤولية هيبتها.

هو  إرثٌ أخلاقيّ لا يُمحى ولا يمكن نسيانه.

إن الحديث عن القاضي حسن الحاج لا ينتهي عند المواقع التي تقلّدها، بل يمتد إلى ما زرعه من مبادئ في الجيل القضائيّ الناشئ، وإلى ما تركه من أثر في وجدان كل من عرفه أو احتكم إليه.

ففي زمن يُضرب فيه القضاء من الداخل ومن الخارج، يشكّل نموذج القاضي حسن الحاج دليلاً حيًّا على أن الصّلابة لا تناقض التّواضع، وأن الجرأة لا تعني التّهوّر، وأن القاضي يمكن أن يكون رجل موقف، لا موظف توقيع.
حسن الحاج... ليس مجرّد قاضٍ في السجلات الرسمية، بل شاهد عدالة في زمن الالتباسات، وقامة وطنية لا تنحني أمام العواصف، وقاضٍ جريء بصمت الحكماء، ولكن بثبات...

 

 

المصدر : جنوبيات