بأقلامهم >بأقلامهم
كشمير: خطر الانفجار النوويّ
كشمير: خطر الانفجار النوويّ ‎السبت 30 12 2023 12:40 محمد السماك
كشمير: خطر الانفجار النوويّ

جنوبيات

من خلف الدخان الكثيف الذي يتصاعد من غزة وانشغال العالم، وخاصة العالم الإسلامي، بالحرب التي تشنّها "إسرائيل" على القطاع، فاجأت الهند العالم بقرار إلغاء تعهّدها منح كشمير حكماً ذاتياً وضمّها إلى الدولة الهندوسية، علماً بأنّ الأكثرية الساحقة من سكانها هم من المسلمين. يلغي القرار الهندي التزاماً مع الأمم المتحدة بأن تتمتّع كشمير بالحكم الذاتي.
منذ تقسيم الهند بعد استقلالها عن بريطانيا في عام 1947 إلى دولتين (الهند وباكستان)، والصراع بينهما حول كشمير لم يتوقّف. فقد نشبت بينهما ثلاث حروب مدمّرة، واستمرّت المشكلة. وقد تقع حرب جديدة، لا سمح الله، من دون أن يعني ذلك التوصّل إلى حلّ بالقوّة. بل من المرجّح أن تزداد القضية تعقيداً وخطورة بعدما أصبحت الدولتان نوويّتين.
حصلت كشمير على "حكم ذاتي"، لكنّه انسحق تحت عجلات الصراع الهندي – الباكستاني. أدّى هذا الصراع إلى تدهور مستمرّ في العلاقات الثنائية، ليس سياسياً فقط، بل اقتصادياً واجتماعياً أيضاً. وانعكس سلباً أيضاً على أوضاع المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم حوالي 200 مليون إنسان. وتزداد خطورة هذا الأمر في ضوء تمكّن الحزب الهندوسي (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعّمه الرئيس ناريندرا مودي من الفوز بالسلطة وبأكثرية مطلقة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهذا يعني أنّ "الهندوسية السياسية" و"الإسلام السياسي" في تصاعد واستقواء.

4 كتب تروي تاريخ كشمير
حصلت كشمير على اسمها من الشعوب الأولى التي سكنتها، وهم قبائل الكاسا والناغا (الثعبان). وتقول الأساطير إنّها كانت بُحيرة قام بتجفيفها بمعجزة المعلّم كاسيا ابن ماريشي ابن براهما.

حدث التقسيم على أساس أنّ مناطق الأكثرية الإسلامية تتبع باكستان، ومناطق الأكثرية الهندوسية تتبع الهند

تروي أربعة كتب سنسكريتية الحقب التاريخية لكشمير:
- فكتاب "راجاتارينجي" يروي الحقبة الأولى حتى عام 1006.
- وفي كتاب "جواناراجا" تفاصيل واسعة عن الحكم الإسلامي حتى عهد زين العابدين في عام 1420. كما أنّه يتضمّن وقائع عن محاولات الملك الهندي أشوكا تحويل كشمير إلى البوذية دون جدوى. وقد استمرّ الحكم الهندوسي فيها حتى عام 1346 عندما أُعدِم حاكمها "أودجاناديغا" على يد أميرشاه.
- أمّا كتاب "سريغارا" فيروي تفاصيل الحكم الإسلامي حتى فتح شاه في عام 1489.
- ويروي كتاب "راجانا ليباتاكا" مرحلة العهد المغولي الإسلامي حتى عهد الإمبراطور أكبر في عام 1586. ومن خلال ذلك يبرز السلطان الإسكندر على أنّه أحد أبرز الحكّام المسلمين في كشمير. فقد لقّب بـ"بوطشيكان"، وهي كلمة سنسكريتية تعني "محطّم الأصنام"، وذلك بسبب تدميره المعابد الوثنية. وفي عهده غزا تيمور الهند فخضع له الإسكندر، ومنذ 1586 انتقلت كشمير إلى يد المغول.

القرنان الأخيران: حروب ... وبريطانيا
بعد ذلك سيطر عليها الأفغان، ثمّ سيطر عليها السيخ في عهد الملك رانجي سينغ في عام 1819. وتوالى عليها ثمانية حكّام سيخ وهندوس وحاكمان مسلمان كان ثانيهما الشيخ إمام الدين الذي حدثت في عهده حرب السيخ الأولى في عام 1846، وهو ما مكّن بريطانيا من التغلغل في المنطقة تحت مظلّة مساعدة أحد طرفَي الصراع (المهراجا دوليب سينغ) في معركة سوبراون في شباط 1846. وبانتصار دوليب وُقّعت معاهدة لاهور في آذار 1846 التي حصلت بريطانيا بموجبها على مساحة من الأرض ومبلغ من المال كان يقدَّر في حينه بمليون ونصف مليون جنيه مقابل مساعداتها. ولكنّ المهراجا لم يستطع أن يدفع المال فقايض الحكومة البريطانية باستبدال المال بالمرتفعات الجبلية المجاورة للأرض التي حصلت عليها بما فيها كشمير. وهكذا أصبحت هذه المنطقة تابعة للتاج البريطاني إلى أن باعتها بريطانيا بنصف مليون جنيه فقط في عام 1846 إلى المهراجا الهندوسي "راج بوت".

فاجأت الهند العالم بقرار إلغاء تعهّدها منح كشمير حكماً ذاتياً وضمّها إلى الدولة الهندوسية، علماً بأنّ الأكثرية الساحقة من سكانها هم من المسلمين

استمرّ هذا الوضع حتى آب 1947 عندما استقلّت شبه القارّة الهندية عن بريطانيا، وعندها وقع الانقسام الإسلامي - الهندوسي ممثّلاً بقيام دولتَي باكستان والهند. وظلّت كشمير موضع صراع بينهما. وقد حدث أوّل اشتباك في تشرين الأول 1947 (أي بعد شهرين فقط من الانقسام) عندما دخلت كشمير قبائل هندوسية من الشمال الغربي ووصلت حتى العاصمة سرينغار، ودخلت من الجهة الثانية القوات العسكرية الهندية معزّزة بسلاح الطيران.

لماذا "علقت" كشمير في الوسط؟
حدث التقسيم على أساس أنّ مناطق الأكثرية الإسلامية تتبع باكستان، ومناطق الأكثرية الهندوسية تتبع الهند. كانت كشمير إسلامية بأكثريّتها الساحقة. فاستناداً إلى إحصاء بريطاني للسكان جرى في عام 1941، كان عدد المسلمين فيها 3 ملايين و73 ألفاً و540 نسمة. أمّا عدد الهندوس فبلغ 708 آلاف و459 نسمة فقط، إضافة إلى 3 آلاف و79 مسيحياً، و29 ألفاً و374 قبلياً وثنياً و108 آلاف و74 من عقائد بدائية مختلفة. بموجب ذلك كان يفترض أن تنضمّ كشمير تلقائياً إلى باكستان. غير أنّ حاكمها المهراجا الهندوسي ووريث المهراجا راج بوت الذي اشترى المقاطعة من بريطانيا عارض الانضمام إلى باكستان. وعزّز هذا الرفض الطموح الشخصي لرئيس حكومتها المحلية في ذلك الوقت الشيخ محمد عبد الله ورئيس حزب المؤتمر الوطني الذي انضمّ إلى المهراجا الهندوسي خلافاً لإرادة المواطنين المسلمين في طلب الانضمام إلى باكستان.

أدّى ذلك إلى وقوع اضطرابات دموية في الشوارع. فتراجع الشيخ عبد الله عن موقفه، وهو ما حمل السلطات الهندية على اعتقاله. وفي السادس من كانون الثاني 1948 رفعت الهند المشكلة إلى مجلس الأمن الدولي بحجّة أنّ باكستان تحرّض على الفتنة والانقسام وتدعم القبائل التي تهاجم كشمير من الشمال الغربي. وفي العاشر منه أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بوقف إطلاق النار دون أن يقدّم حلّاً. فبادرت الهند إلى ضمّ كشمير إليها بعد شهرين من الانفصال (الهندي الباكستاني). ومراعاة للوضع الخاص في كشمير، تضمّن الدستور الهندي في المادة 370 منه تعهّداً بمنح كشمير حكماً ذاتياً. وهو التعهّد الذي تفرّدت الحكومة الهندية الآن بإلغائه من جانب واحد. وبهذا الإلغاء تعيد الهند فتح مسرح الصراع مع باكستان من جديد. علماً بأنّ كلّاً من الدولتين تملك سلاحاً نووياً وصواريخ بعيدة المدى.. ثمّ إنّ باكستان تحوّلت إلى الإسلام المتشدّد، فيما تحوّلت الهند إلى الهندوسية المتشدّدة.

فهل يعني ذلك أنّ العدّ العكسي للصدام بين الدولتين النوويّتين الشقيقتين قد بدأ؟!

المصدر : اساس ميديا